اقترحت حركات مسلحة في إقليم دارفور غرب السودان، خروج طرفي الحرب الجيش وقوات الدعم السريع، من مدينة الفاشر، وترك شأن إدارتها للقوى المسلحة التي تلتزم جانب الحياد في الصراع الجاري، وذلك في محاولة لتجنيب المدنيين في المدينة ويلات المواجهات المسلحة والقصف الجوي لطيران الجيش.
ومدينة الفاشر هي المكان الوحيد في إقليم دارفور الذي يتواجد فيه الجيش السوداني، بعدما سقطت جميع مقراته الأخرى بالإقليم على يد قوات الدعم السريع، بينما توقف زحف الأخيرة نحو الفاشر بعدما رفضت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، نقل المواجهات للمدينة التي تتحصن بها.
وتحتضن مدينة الفاشر مقر قيادة الفرقة السادسة التابعة للجيش السوداني، وهي الوحيدة المتبقية له من أصل خمس فرق عسكرية في إقليم دارفور، بعد أن سقطت الأربع الأخريات، بيد قوات الدعم السريع، عقب معارك ضارية في "نيالا، وزالنجي، والجنينة، والضعين".
وعلى مدى ثلاثة شهور ماضية ظلت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تتجدد من حين لآخر مخلفة ضحايا وسط المدنيين، كما ظلت المدينة عُرضةً لقصف الطيران الحربي التابع للجيش، والذي بدوره أدى لقتل وجرح العشرات وسط السكان.
وإزاء ذلك دفعت القوة المشتركة للحركات المسلحة التي تلتزم جانب الحياد في الحرب الجارية، بمقترح يقضي بخروج الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، من مدينة الفاشر وترك شأن إدارتها للحركات المسلحة، حسب ما أعلنه الهادي إدريس، رئيس الجبهة الثورية وعضو مجلس السيادة الانتقالي الذي أقاله البرهان بسبب تمسكه بالحياد ورفضه تأييد الجيش في حربه ضد الدعم السريع.
موافقة مبدئية
واعلنت قوات الدعم السريع موافقتها من حيث المبدأ على مقترح الخروج من الفاشر، بينما لم يُبدِ الجيش رأيًا حيال الأمر.
وأكدت المصادر أن قادة ميدانيين في القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة، اجتمعوا مع قادة بارزين في قوات الدعم السريع قطاع شمال دارفور، خلال اليومين الماضيين لمناقشة مقترح خروج طرفي الصراع من مدينة الفاشر.
وأوضحت أن الاجتماع الذي عُقد في مدينة الفاشر ضم كلًّا من اللواء النور قبة، والمقدم عباس كتر، ممثلين لقوات الدعم السريع، بينما مثل القوة المشتركة للحركات المسلحة في الاجتماع الفريق التجاني ضهيب، وبحر جزم، وفضل سكو.
وبحث الاجتماع بحسب المصادر، كيفية خروج قوات الدعم السريع من الفاشر في توقيت متزامن مع خروج الجيش، وترك مهمة حفظ الأمن وحماية المدنيين للقوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة، كما بحث الاجتماع فتح الطريق القومي بين "الفاشر وكوستي" لنقل المساعدات الإنسانية، ودخول القوافل التجارية والأدوية للمدينة.
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ظلت مدينة الفاشر تحت حصار قوات الدعم السريع، كما توقفت القوافل التجارية والإنسانية التي كانت تصل المدينة من ولاية النيل الأبيض تحت حماية القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة؛ وذلك بسبب إعلان بعض الحركات انحيازها للجيش في مواجهة قوات الدعم السريع.
وكانت كل من حركتي تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، أعلنتا يوم الـ16 من فبراير/ تشرين الثاني الماضي، تخليهما عن موقف الحياد الذي اتخذتاه في وقت سابق حيال الحرب الدائرة في البلاد، معلنة أنها "ستقاتل في صفوف الجيش ضد قوات الدعم السريع".
ومنذ ذلك التاريخ بدأت الأوضاع العسكرية في مدينة "الفاشر" تتعقد يومًا عقب آخر، وسط إصرار قوات الدعم السريع، على إنهاء وجود الجيش السوداني في الفاشر ليصبح كامل الإقليم تحت سيطرتها.
مقترح غير عملي
يرى المحلل السياسي المتابع للأوضاع في دارفور، علاء الدين بابكر، أن مقترح خروج الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من مدينة الفاشر، غير عملي، بالنظر لوجهات نظر طرفي الحرب المتصارعان على المدينة والسيطرة عليها.
وقال بابكر إن قوات الدعم السريع هي الأفضل عسكريًّا في إقليم دارفور مقارنة بوضع الجيش، وكانت تسعى للسيطرة على كل مدن دارفور بعد سيطرتها على "الجنينة، ونيالا، وزالنجي، والضعين"، لكنها توقفت عن مهاجمة الفاشر نزولا عند رغبة الحركات المسلحة المحايدة في الصراع، حسب ما أعلنته في وقت سابق.
وأكد بابكر أن قوات الدعم السريع أبلغت الحركات المسلحة التي طالبتها بعدم مهاجمة الفاشر، بأن تتحدث مع الجيش وتطلب منه الخروج من المدينة دون قتال، موضحًا أن ذلك يدل على رغبة "الدعم السريع" في السيطرة على الفاشر لا الخروج منها، خصوصًا وأنها مؤهلة عسكريًّا ولديها حاضنة اجتماعية كبيرة في المدينة بخلاف المدن الأخرى.
وفي المقابل يرى علاء الدين بابكر أن الجيش السوداني بعد إعلان حركتي "تحرير السودان والعدل والمساواة" انضمامهما له، لن يتخلى عن الفاشر، ويعتقد أنه حصل على مقاتلين جدد وحاضنة اجتماعية لمساندته في البقاء في المدينة.
وأضاف: "أن المقترح لن يتحول إلى واقع؛ لأن الحركات المساندة للجيش تراه خصمًا لها، وهي تُصنف مقدما المقترح "الطاهر حجر والهادي إدريس" أعداء لها، وتعتقد أن القبول بالمقترح هزيمة لهم؛ لذلك لن يقبلوا به".
وأكد أن "المقترح غير عملي قياسيًا على وجهات نظر الأطراف المتصارعة، لكنه بالنظر لمصلحة المواطن أعتقد أنه مقترح عملي، ويجنب المدنيين الحرب، ويحقن الدماء".
وكان عضو الهيئة القيادية العليا لحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، نمر عبدالرحمن، وهو حاكم شمال دارفور المُقال من قبل البرهان، قال في تغريدة يوم الخميس، إنه "حفاظاً على حياة المواطنين من الأفضل والأحسن من باب الحكمة والمسؤولية خروج طرفي الحرب (الجيش والدعم السريع) من مدنية الفاشر".
وأشار إلى أن الاشتباكات المتكررة في مدينة الفاشر تعرض حياة أعداد كبيرة من المدنيين للخطر، وتؤثر على حياة النازحين بصورة مباشرة.
ولطالما شن الجيش السوداني غارات جوية متعددة، على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور؛ ما أجبر آلاف المدنيين على النزوح جماعيًا من المدينة.
ودمرت الحرب المستمرة منذ أكثر من 10 شهور في السودان، البنية التحتية للبلاد، وأثارت تحذيرات من المجاعة، ودفعت الملايين للنزوح داخل البلاد وخارجها.
ودعت الأمم المتحدة، الدول إلى عدم نسيان المدنيين الذين يعانون من الحرب في السودان، وحثت على جمع 4.1 مليار دولار لتلبية احتياجاتهم الإنسانية. وكالات