سلّط مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على "ازدواجية" الولايات المتحدة بشأن الحرب التي تخوضها إسرائيل على قطاع غزة، معتبرة أن تقديم المساعدات لجهة، والسلاح لجهة أخرى؛ "أمر نادر الحدوث" بالنسبة لواشنطن.
ووفق المقال، فإن الولايات المتحدة تملك سجلا تاريخيا طويلا في نشر جيشها لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من جراء الحروب أو الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم، لكن الشيء النادر وغير المألوف هو أن تقدم المساعدات لأفراد يتعرضون للقصف وسط حرب مشتعلة تدعم فيها واشنطن ضمنيا أحد الأطراف.
واعتبرت الصحيفة، قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخير بتوجيه الجيش لبناء رصيف عائم قبالة قطاع غزة بهدف تسهيل إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين وسط الصراع المستمر مع إسرائيل، بمثابة تحول كبير يدشن لمرحلة جديدة بشأن الدور التاريخي للقوات الأمريكية في إرسال المساعدات.
لكن اللافت هو أن نفس الجيش الذي يرسل الأسلحة والقنابل التي تستخدمها إسرائيل في غزة، يقوم الآن بتقديم الغذاء والماء إلى القطاع المحاصر.
وجاء قرار بناء الرصيف العائم في غزة، عقب قرار سابق اتخذه الرئيس بايدن لإسقاط المساعدات الإنسانية جوا إلى غزة، وهي خطوة انتقدها خبراء الإغاثة باعتبارها غير كافية.
ويقول الخبراء إن المساعدات المقدمة، بما في ذلك الرصيف العائم، لا ترقى إلى مستوى معالجة الوضع الإنساني المتردي في غزة على نحو فعال، لا سيما وأن سكان القطاع على حافة المجاعة.
ورغم ذلك، قال مسؤولون كبار إن الولايات المتحدة ستواصل تزويد إسرائيل بالذخائر التي تستخدمها في غزة، بينما تحاول تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف هناك.
وتطرق المقال إلى مشاركة الجيش الأمريكي في عمليات إرسال المساعدات الإنسانية على مدى عقود من الزمن، حيث قام سلاح المهندسين ببناء أرصفة عائمة للقوات لعبور الأنهار وتفريغ الإمدادات وإجراء عمليات عسكرية أخرى.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عسكريين قولهم: "سيتم بناء وتجميع الرصيف إلى جانب سفينة تابعة للجيش قبالة ساحل غزة، مع حراسة مسلحة لضمان الحماية عند اقترابه من ساحل غزة، حيث تتضمن العملية نشر ما يقرب من 1000 جندي أمريكي وقد تستغرق ما يصل إلى 60 يومًا حتى تكتمل".
وأفاد مسؤول عسكري أمريكي، بأن آلية العمل في هذا الميناء، تتمثل في أن ترسو سفينة كبيرة في عرض البحر، بينما يتم بناء رصيف عائم بجانبها، ومن ثم يتم تحميل البضائع على الرصيف، ونقلها إلى قوارب بحرية أصغر؛ بهدف نقلها إلى رصيف مؤقت أو جسر على الأرض.
وأكد المسؤول بأن الجيش الأمريكي يمكنه بناء الجسر الذي يربط الرصيف العائم بالشاطئ دون الحاجة لنشر قوات عسكرية على الأرض في غزة.
ورغم الجهود المبذولة لتقديم المساعدات عبر الجو والبحر، يؤكد الخبراء أن الطرق البرية تظل الوسيلة الأمثل لإيصال المساعدات، إلا أن إسرائيل تمنع حاليا استخدام المعابر الحدودية لإدخال المساعدات.
وذكر المسؤولون بأن الولايات المتحدة ستعمل مع الشركاء الإقليميين والحلفاء الأوروبيين لبناء وتمويل وصيانة الممر، حيث إن فكرة المشروع نشأت في قبرص.
ويسلط مسؤولو الإغاثة، الضوء على التحديات الكبيرة أمام إيصال المساعدات عن طريق البحر، بما في ذلك عدم الكفاءة وزيادة التكاليف مقارنة بالطرق البرية، فضلا عن أن الصراع الدائر في غزة يشكل عقبات كبيرة أمام توزيع المساعدات، كما يتضح من التدافع المميت الأخير حول قوافل المساعدات.
وفي حين إن الميناء المؤقت سيدار عسكريا في البداية، فإن هناك اعتقادا في واشنطن بأنه سيتم تشغيله تجاريا في نهاية المطاف.
وقالت "نيويورك تايمز" إن من بين منظمات الإغاثة التي ستشارك في توزيع المساعدات "المطبخ المركزي العالمي"، الذي أسسه الشيف الإسباني "خوسيه أندريس"، وهذه المؤسسة لديها تاريخ حافل في تقديم الوجبات إلى غزة.
وفي السياق ذاته، قال دبلوماسيان مطلعان إن الميناء سيقام على ساحل غزة إلى الشمال قليلا من معبر وادي غزة، حيث أقامت القوات الإسرائيلية هناك نقطة تفتيش رئيسة.
ورغم ذلك، لا تزال المشاكل الأساسية قائمة دون حل، حيث يقول مسؤولو الإغاثة إن توصيل الإمدادات عن طريق الشاحنات أكثر كفاءة وأقل تكلفة بكثير من نقلها إلى سكان غزة عن طريق القوارب، إلا أن الشاحنات لا تزال غير قادرة على تسليم البضائع وسط القصف الإسرائيلي والقتال البري العنيف جنوبي غزة.