كانت المعارف الطبية لدى البدو بسيطة جداً ، تقتصر على معالجة بعض الأمراض البسيطة والكسور وجروح المعارك ، كما أن البدو عالجوا بطرق بسيطة حالات الزكام ونزلات البرد ، ومن أشهر أساليب العلاج عند البدو " الكي " إذ كان البدو يؤمنون بفوائده ؛ لذلك كان يعتبر علاجاً ناجحاً لديهم ، فكان لا مفر للمريض من الكي حتى وأن احتج على ذلك ، وأظهر الممانعة إلا أن عملية الكي في هذه الحالة تتم بالإجبار (1) .
فيما يصف البريطاني توماس إدوارد لورانس (Thomas Edward Lawrence) (ت 1935) مشاهدة حصلت أمامه في تجبير الكسور ، عندما تعرض أحد رجال البدو في الثورة العربية الكبرى إلى كسر في ساقه يدعى محمد دخل الله فيقول : أن عملية التجبير تقوم على وضع العضو المصاب بين خشبتين ويشد بشكل مستقيم ثم يمد المصاب ويمنع من الحراك ويكمل الوصف قائلاً : " والحق أن رجال العشائر ماهرون في تجبير العظام " ويعود ليصف مشاهدة أخرى لعملية تجبير فيقول : إذا ما جُبرت الذراع أو الساق بشكل خاطئ فأنهم يعيدون كسرها وتجبيرها بشكل صحيح كما حدث مع أحد الصبية (2) .
ويذكر الدكتور عليان الجالودي اعتماد البدو على الأعشاب والشجيرات الطبية التي كانت تنتشر على طول الحدود الشرقية الجنوبية من قضاء عجلون الواقعة ضمن الإقليم الصحراوي الغني بأشجار الرتم والعجرم ، إضافة إلى نباتات الشيح والقيصوم وغيرها من النباتات البرية ، الأمر الذي جعل هذه الأراضي مورد مهم لرعي الأبل والماشية في الربيع لدى العديد من قبائل المنطقة كبني صخر و السرحان والسردية وعنزة ، وكانت هذه النباتات تستخدم للأغراض الطبية أيضاً ، فكانت تستخدم لحالات المغص ونزلات البرد وأمراض المعدة والالتهابات والقروح (3) .
فيما تذكر الرحالة البريطانية غيرترود بيل (Gertrude Bell) ( ت 1926 م ) مجموعة من هذه النباتات الطبية خلال سيرها في القفار الخالية من أي تجمع قبلي ، إذ كان رفيقها الدليل قبلان بن حمود الدعجة يشرح لها مظاهر الحياة البرية وارتباط البدو بذلك ، فكانت ترى حفر صغيرة نصف دائرية فتقول : " أخبرني رفيقي أن الأبل تقوم بحفرها من أجل صغارها ، وأما الحجارة المسطحة فقال أن الرعاة يسوون شكلها هكذا كي يتمدد عليها الراعي ويراقب القطعان من المرتفعات .
كذلك شرح لها عن مجموعة النباتات البرية التي كست الأرض في أواخر الشتاء فأخبرها أن " العطرفان " هو نبات عطري بري يضاف للزبدة لحمايتها من التلف ، و" الكرسنة " كانت مصدر غذائي للبدو ومواشيهم على حد سواء ، وكانت أعواد " البلان" مصدر غذائي مهم للأبل ، بينما تفضل الغنم نبات "الشيح" والذي يستخدمه البدو كمطهر عام للجروح ومسكن لآلام البطن والبرد ، أما نبات "القلي أو الأشنان " فكانوا يستخدمون رماده في صناعة الصابون وكان الكثير منه يحمل إلى نابلس لصناعة الصابون هناك ، وبقي قبلان طوال الرحلة يردد سؤاله على بيل فكلما رأى نبات قد شرح لها عنه يعود ليسألها ما هذا فتجيبه الأمر الذي سهل عليها حفظ أسماء النباتات البرية حسب تعبيرها (4) .
ومما سبق يتضح أن البدو كانت لديهم معرفة طبية بسيطة ضمن بيئتهم المحيطة ، وذلك يرجع حسب رأي كبار السن إلى أن البدوي سابقاً كان نادراً ما يمرض ، لكنه كان يتعرض للإصابات بشكل أكبر ، مما عزز لديهم القدرة على معالجة الجروح والكسور بشكل أكبر من قدرتهم على مقامة الأوبئة والأمراض .