لا يختلف رمضان في شكله كثيراً، بين العديد من الدول العربية والإسلامية، إذ تبدو ملامح الشهر الفضيل متحدة في الكثير من الدول حول العالم، لا سيما وأنها متعلقة في صميم الدين الإسلامي، إذ ان صوم رمضان يظل ركناً مهماً من أركان الإسلام الخمسة، لذلك تظل للشهر الكريم لمسة دينية واجتماعية وروحانية وجمالية تتوافق في عيشها كثير من دول العالم.
«الحواس الخمس» الذي يتابع على صفحاته أشكالاً رمضانية متعددة ومتباينة حول العالم العربي والإسلامي، يعرض لتجربة مختلفة للمسلمين خلال الشهر الفضيل، وتلك التجربة تأتي من قلب دولة هي في المجمل غير مسلمة، وذلك على الرغم من أن المسلمين فيها يشكلون ما نسبته 33% من مجمل السكان فيها.«وجوه» هذه الحلقة يصور شكلاً مختلفاً من رمضان في روسيا، حيث تبدو الملامح الدينية والعادات الاجتماعية المتبعة في ذلك البلد غير المسلم شيقة، وبحاجة إلى بصيص ضوء يعرف من خلاله الشكل المعاش لمسلمي روسيا، ولذلك كانت لنا وقفة مع هؤلاء القوم في ذلك البلد وفي هذه المناسبة بالتحديد.
ناجية رفيق حيساموفا، هي فتاة مسلمة وتحمل الجنسية الروسية، وتعمل في القنصلية الروسية في دبي، وقد تخرجت من جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، لذلك تجيد اللغة العربية إلى حد أبناء جلدتها.
تقول حيساموفا إن شهر رمضان له ما يميزه عن سائر شهور السنة في روسيا، وتختص به عادات وتقاليد جميلة تظهر منذ بدايته وتنتهي مع آخر أيامه، وهذه العادات والتقاليد لها نكهتها الخاصة لكونها متوارثة منذ القدم، وذلك أن تنار الطرق بأحدث الإضاءات وتقتحم أجهزة التلفاز مختلف البيوت.
مجمل تلك العادات جعل لهذا الشهر المبارك طابعه الخاص في روسيا، الذي يختلف عن أي مكان آخر، لأن روسيا دولة كبيرة، وبالتالي تظل لكل مدينة عاداتها وتقاليدها التي تميزها، فيما يبقى لدى الجميع أمر جامع وهو الفرح في قلوب المسلمين، لأن هذا الشهر بالتحديد يجعلهم يتقربون الى الله سبحانه وتعالى أكثر، وتزداد فيه صلة القرابة والصداقة بين المسلمين، كما وتكثر فيه العزائم والزيارات التي تكون بشكل شبه يومي، لا سيما في جانب تبادل الأكلات اللذيدة بين العائلات.
وتؤكد ناجية أن شهر رمضان يعني لهم كمسلمين في روسيا الكثير من الإيجابيات الروحية والدينية والاجتماعية، وخلاله يدرك الجميع واجباته تجاه الله، والعائلة، والأصدقاء وحتى النفس البشرية، فالمسملون هناك يقومون باعمالهم اليومية خلال نهار رمضان كالعادة، سواء كانت عمل أو سفر أو لقاء أصدقاء غير مسلمين، فيواجهون من البعض بالترحيب والاحترام ومن الآخرين بالاستغراب والتعجب.
وعلى الرغم من اختلاف العادات والتقاليد في روسيا، إلا أن رمضان يوحد بين مشاعر المسلمين هناك، حيث تجد بهجة الشهر الفضيل واضحة على وجوه الناس وفي حياتهم العامة وتعاملهم مع بعضهم البعض ومع الآخرين، وفي السنوات الأخيرة تزايد أعداد المطاعم والمحلات المختصة في بيع اللحوم الحلال، وخاصة خلال شهر رمضان، والأمر الأجمل في ذلك، هو أن مشتري تلك اللحوم ليسوا فقط من المسلمين وإنما من مختلف الديانات، فيما تبقى غايتهم من ذلك هي أن يظفروا بدعوة أصدقائهم المسلمين لتناول الإفطار في بيوتهم، وذلك ملمح جميل يعيشه مسلمو روسيا ويؤثر في حياتهم وتعاملاتهم مع المحيط بشكل إيجابي وفعال.
وعن كيفية معايشة الانسان العادي لرمضان في روسيا، توضح ناجية رفيق أنه وكأي دولة عربية أو إسلامية تنهض العائلة قبل موعد الفجر بوقت كافٍ للتحضير لتناول وجبة السحور حسب التوقيت في روسيا، ومن ثم تؤدى صلاة الفجر جماعة مع أهل البيت الواحد، وكالعادة يتوجه أفراد الأسرة إما إلى العمل أو الدراسة، والفرق الوحيد هو أن النهار في روسيا طويل جداً قياساً مع الدول الإسلامية الأخرى، ومع هذا تلمح في وجوه المسلمين هناك جرعة أكبر من الصبر والكفاح.
ولعل أبرز الفعاليات والشعائر الرمضانية التي تتوفر لدى المسلمين في روسيا، تتلخص في اجتماع مختلف أفراد العائلة حول مائدة الافطار، ومن ثم الذهاب لأداء صلاة التراويح، في حال تمكنوا من ذلك، نظرا لبعد وقلة المساجد، فيما تتولى المساجد الرئيسية في روسيا مهمة ختم القران الكريم طوال الشهر، الأمر الذي يجعل من هذا الشهر عيداً يمتد على مدار ثلاثين يوماً، لأن المسلمين الروس يعتبرون صلاة التراويح مناسبة دينية مهمة جداً في توحيد المسلمين وتقربهم من بعضهم البعض.
ومما يميز شهر رمضان المبارك عن باقي شهور السنة، كما تؤكد ناجية حيساموفا أنه وأثناء موائد الافطار تتم دعوة من يتقن قراءة القرآن الكريم، ليعلم الآخرين شيئاً عن الدين الإسلامي، بعد أن يقوم بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم، وإلقاء درس أو موعظة دينية، وذلك التقليد يترك أثرا طيبا في نفوس الحاضرين، كما يساعد على جذب غير المتدينين للالتزام بتعاليم الدين الإسلامي.
وفيما يخص الفعاليات والأمسيات التي ترافق ليالي رمضان في روسيا، تشير ناجية إلى الإفطارات الجماعية التي تنظمها الجمعيات الخيرية سواء كانت في روسيا أو خارجها، حيث ان العديد من الدول العربية والاسلامية تتنافس خلال رمضان في إقامة مثل هذه الموائد عن طريق البعثات الدينية إلى روسيا، ما يشعر المسلم الروسي بعمق الروابط بينه وبين باقي شعوب العالم الاسلامي.
وعلى صعيد الأكلات الرمضانية في روسيا، أشارت ناجية إلى وجود العديد منها، فيما يغلب على المائدة الروسية طابع الخضروات والفواكه، منها «الكمبوت» وهي أكلة مصنوعة من الفواكه المجففة والطازجة، ولكون أن نهار الصائمين في روسيا طويل، فإن أول ما يتمناه المرء هو إرواء العطش لديه، ولا يكون ذلك إلا بالكمبوت اللذيذ، وبعدها يتناول الصائمون أنواعاً مختلفة من السلطات مثل «فينيكريت» و«باتشوبا» و«الفيي»، ثم تأتي الوجبة الرئيسية من اللحوم والأسماك، ومنها أكلة «بيلميني» وتشبه «الشيش باراك» التركي.
وكذلك المحاشي من كوسا وبندورة وباذنجان، وأيضا البط والوز المحشي بالتفاح الحامض والمكسرات، إلى جانب الكثير من الفطائر التي تعتبر بحد ذاتها كوجبة دسمة، وفي جانب الحلويات يكتفي مسلمو روسيا بالفواكه، وفي العزائم والزيارات يعدون بعض الحلويات مثل «كيك العسل».