حالة من الغضب العارم تجتاح صدور الأردنيين بسبب خروج الهتافات وبعض الأفعال عن عقالها وابتعادها عن جادة الصواب في الرابية. هتافات مستفزة تستحضر مشاهد الدمار في دول مجاورة، وأوصاف وشتائم توجه لقوات الأمن وجنودها الأوفياء الشرفاء، أوصاف مستفزة وكاذبة لا يقبلها أي أردني حر شريف، استحضار لخطاب متشدد يساري أو يميني يريد للأردن أن ينزلق للفوضى لا قدر الله. الأردنيون غاضبون لا يقبلون بالمطلق ما يحدث، يرون صبر واحترافية الأجهزة في التعامل والرد، ويريدون مزيدا من الحزم والقوة في التعامل وتطبيق القانون، يريدون الحفاظ على الأردن واستقراره وتفويت الفرصة على المارقين سواء كانوا حاقدين أو جاهلين.
يستفز الأردنيون أكثر أن يتم توجيههم من الخارج من قادة فصائل فلسطينية. يستذكرون التاريخ عندما حدث ذلك وحاولت فصائل وأحزاب بالخمسينيات والسبعينيات أن تعبث بالمشهد الأردني. الأردنيون لا يأمرهم إلا دولتهم ويغضبهم من يفعل ذلك غيرها. يتساءلون لماذا هذا التجاوز والتطاول على الدولة، ولماذا يظن البعض أنه قادر أن يؤثر بالشارع الأردني؟ ألا يعرفون التاريخ ويقرأون كيف أن الأردنيين كانوا دوما عصيين على هذه المحاولات، وأن الأردن لم ولن يكون ساحة لأحد فهو أعظم وأكبر من ذلك. لماذا يظنون أن الأردن لن يكون إلا كما كان دوما دولة مؤسسات وقانون يتخذ قراره بسيادية وبما يحقق مصلحة الدولة والشعب وليس أهواء شعبوية أو أحلام فصائلية خبيثة.
وما يؤلم الأردنيين أكثر تلك المزاودة على موقفه الذي يشهد كل عاقل وموضوعي على قوته وتقدمه، وبعد كل ذلك يأتي من يريد للأردن أن يتصرف كدولة مارقة أو أن يدخلها الحرب بحسب أهوائه ومصالحه أو ينزلق بها للفوضى! بئس من يريدون بالأردن ذلك، فهذا البلد فيه من العقلاء والشرفاء من سيقفون بوجه هذا الجنون. أما التنظيمات السياسية الأردنية التي تغذي هذه الفتنة وتأتمر من أسيادها بالخارج، فكأنها تقول لنا نحن لسنا تنظيما سياسيا وطنيا فقط وإنما جزء من حركة عابرة للدول تريد الأردن جزءا من أجندتها السياسية وخلاص لها الآن من مآزقها السياسية، أسيادنا ومرجعياتنا ليس الأردن وإنما قادة الفصائل في الخارج. لقد فوتوا الفرصة مرة أخرى ليكونوا جزءا من عمل سياسي مرجعياته وطنية أردنية ويبددون الشكوك التي تحوم حولهم. وأهم من يعتقد أن ما يحدث سيزيد من شعبيته الانتخابية، فالأردنيون أكبر وأوعى من ذلك، وواهم من يظن أنه يستطيع أن يملي على الأردنيين ما يفعلون وكيف يتصرفون، وواهم من يعتقد أنه يستطيع أن يخلق فتنة بين الأردنيين ودولتهم.
ظني أن الدولة للآن تتصرف بحكمة وتركز على الأهداف الأساسية من وقف للعدوان وإدخال المساعدات واستعادة الهدوء إلى ما كان عليه وينال الشعب الفلسطيني حقوقه. وهي للآن لا تريد حرف البوصلة عن هذه الأهداف، ولكنها قادرة وبقوة أن توقف كل هذه التجاوزات وأن ترد إلى نحور من يريدون الفتنة شرهم وإبعاده عن الأردن. لا تستفزوا الأردنيين ولا تختبروا صبرهم، ومن يفعل ذلك عليه أن يعرف أن الأردني إذا ما تم امتحانه يقدح شرارا.