وسط الصراع الدبلوماسي المباشر بين فرنسا وروسيا بسبب الحرب الأوكرانية، فإن البلدين يخوضان حربًا أخرى غير مباشرة، هي الحرب بالوكالة في أفريقيا، لا سيما في النيجر.
وبعد تلقي النيجر أول دفعة من المعدات العسكرية الروسية، كجزء من التعاون الأمني الجديد بين نيامي وموسكو، يجري الآن إنشاء تعاون أمني جديد بينهما؛ إذ وصل المدربون الروس، يوم الأربعاء الماضي، إلى نيامي، حسب ما أعلنه التلفزيون العام النيجري، مساء الخميس الماضي.
وقال التلفزيون العام: "شهدنا يوم الأربعاء وصول طائرة روسية عريضة البدن من طراز "إليوشين 76" إلى نيامي، تحمل أحدث المعدات العسكرية، وعلى متنها مدربون عسكريون من وزارة الدفاع الروسية".
تطوير التعاون العسكري
وقال التلفزيون إن الاتحاد الروسي سيقوم "بتجهيز" النيجر، و"تركيب نظام دفاع مضاد للطائرات" قادر على "ضمان السيطرة الكاملة على مجالنا الجوي".
وعرض التلفزيون لقطات تم تصويرها ليلًا من الطائرة الروسية عريضة البدن عند هبوطها في مطار العاصمة.
ووفق المصدر ذاته، فإن المدربين العسكريين الروس، الذين لم يتم تحديد عددهم، "سيقدمون تدريبًا عالي الجودة" للجنود النيجريين؛ "من أجل الاستخدام الفعّال للنظام المذكور".
بدوره، قال أحد المدربين الروس: "هذه معدات من تخصصات عسكرية مختلفة.. نحن هنا لتطوير التعاون العسكري بين روسيا والنيجر، ولتدريب جيش النيجر ومساعدته على استخدام المعدات العسكرية التي وصلت للتو".
وفي 26 مارس/آذار الماضي، ناقش رئيس النظام العسكري في النيجر، الجنرال عبد الرحمن تياني، هاتفيًا، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "تعزيز" التعاون الأمني بينهما على وجه الخصوص.
وجاء في بيان صحفي رسمي للنيجر أن "رئيسي الدولتين" "تبادلا الحديث بشأن الحاجة إلى تعزيز التعاون الأمني" بين روسيا والنيجر "لمواجهة التهديدات الحالية"، في حين أن هجمات المتشددين تقوّض منطقة الساحل.
نيامي تدير ظهرها
ومنذ انقلاب 26 يوليو/تموز الماضي، اقترب النظام النيجري من جيرانه في بوركينا فاسو ومالي، اللذين يحكمهما الجيش أيضًا.
وتمت الإطاحة بالحكومات المدنية في النيجر وبوركينا فاسو ومالي، من خلال انقلابات عسكرية متتالية منذ عام 2020، وأدارت هذه المستعمرات الفرنسية الثلاث السابقة ظهورها لباريس، واقتربت اقتصاديًا وعسكريًا من شركاء جدد، بمن في ذلك الروس، قبل إعادة تجميع صفوفها داخل تحالف دول الساحل؛ بهدف إنشاء اتحاد بعيدًا عن فرنسا، بحسب إذاعة "20 مينيت" الفرنسية.
طرد الجيش الفرنسي
في موازاة ذلك، بعد طرد الجيش الفرنسي في نهاية عام 2023، ندد النظام النيجري، منتصف مارس/آذار الماضي، "بأثر فوري" باتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، التي يعود تاريخها إلى عام 2012، معتبرًا إياها "غير قانونية"؛ ما أثار الشكوك بشأن وجود ما يزيد قليلًا على 1000 جندي أمريكي في النيجر.
وتواجه النيجر في الغرب أعمال عنف متكررة ومميتة ترتكبها جماعات متشددة مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، وفي الجنوب الشرقي من قبل "بوكو حرام"، وتنظيم داعش في غرب أفريقيا.
ومثل باريس، كانت واشنطن حليفًا رئيسيًا للنظام النيجري السابق، الذي أطاح به الجيش في 26 يوليو/تموز الماضي.
ومنذ عام 2016، بدأت الولايات المتحدة بناء قاعدة في أغاديز بتكلفة 110 ملايين دولار.
وانتقلت المواجهة غير المباشرة بين الروس والأمريكيين في أفريقيا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى في الأشهر الأخيرة.
وفي هذه المبارزة في منطقة نفوذها السابقة، تكتفي فرنسا بدور المتفرج أمام تفوق التوغل الروسي.
ولم تكن الابتسامات ولا التهديدات كافية لواشنطن للاحتفاظ بقاعدتها العسكرية في النيجر وإبعاد موسكو؛ إذ ندد الجيش النيجري، في بيان أُذيع على شاشة التلفزيون يوم أمس السبت، بالاتفاقيات الدفاعية بين البلدين؛ ما يؤكد أيضًا اختيار الجيش الموجود في السلطة التوجه نحو روسيا.
من جانبه، قال الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية، والمدير الحالي لشركة "نورث ستراتيجي"، مايكل شوركين: "إنه فشل حقيقي للولايات المتحدة، وصفعة على الوجه، خاصة أن المجلس العسكري لم يفعل شيئًا للتخفيف من أثر قراره"، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
احتجاجات واسعة
وتظاهر آلاف الأشخاص، يوم أمس السبت، في نيامي؛ للمطالبة بالرحيل الفوري للجنود الأمريكيين المتمركزين في شمال النيجر.
وبدأت المظاهرة من قبل "سينرجي"، وهي مجموعة مكونة من حوالي عشر جمعيات تدعم النظام الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب يوليو/تموز عام 2023، ومنظمات إسلامية محلية.
وحضر التجمع أمام مقر الجمعية الوطنية، وسط نيامي، عدة شخصيات من النظام العسكري، من بينهم المتحدث الرسمي العقيد أمادو عبد الرحمن، والعقيد أمادو إبرو رئيس الأركان الشخصي للجنرال عبد الرحمن تياني (قائد الجيش)، ورئيس أركان الجيش العقيد مامان ساني كياو.
وكان العديد من الطلاب حاضرين في الحشد الذي هتف "تسقط الإمبريالية الأمريكية"، و"يعيش تحالف دول الساحل - مالي وبوركينا فاسو والنيجر"، و"تحرير الشعب جاري".
وشوهدت أعلام بوركينا فاسو ومالي والنيجر والروس في المظاهرة.