انتقد الصحفي جوناثان كوك، في مقال له بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، لامبالاة الإعلام الغربي بخبر الكشف عن مقابر جماعية في قطاع غزة، وبعضها داخل مستشفيات.
وقال إن اكتشاف مقابر جماعية، في باحة مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، كان هو الحدث الأبرز الذي تميز عن سائر الفظائع التي دأبت إسرائيل على ارتكابها بلا هوادة ضد الفلسطينيين وأسفرت عن استشهاد نحو 34 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وأضاف كوك أن 400 شخص آخرين ما يزالون بعداد المفقودين في خان يونس، ومن المرجح اكتشاف مزيد من المقابر الجماعية.
وكان الدفاع المدني في غزة أكد، الخميس الماضي، أن المقابر الجماعية التي اكتشفت بمحيط مجمع ناصر الطبي في خان يونس (جنوبي القطاع) أظهرت بالأدلة الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية، مشيرا إلى اكتشاف جثامين تظهر عليها آثار التعذيب والدفن على قيد الحياة، بعضها كان لأطفال.
كما أعلن -في مؤتمر صحفي- أنه انتشل حتى الآن نحو 392 جثة من 3 مقابر جماعية في ساحة مجمع ناصر بعد انسحاب الاحتلال منه، وذلك منذ بدء عمليات انتشال الجثامين قبل أسبوع.
تجاهل مخيب
وفي تعليقه على تلك الأنباء، قال كوك إن المرء كان يتوقع، في ظل هذه الظروف، أن يتصدر خبر اكتشاف المقابر الجماعية لمئات الفلسطينيين نشرات الأخبار، خاصة بعد أن قضت محكمة العدل الدولية قبل 3 أشهر بأن هناك دليلا "منطقيا" على ارتكاب إسرائيل أعمال إبادة جماعية في غزة.
ولكن، لم تحرك تلك الفظائع الإسرائيلية في الإعلام ساكنا، كما يقول كوك، إذ "لم تعد وسائل الإعلام البريطانية مهتمة كثيرا" بتغطية المذابح المستمرة في القطاع الفلسطيني المحاصر.
واعتبر الكاتب أن هذا التجاهل يتناقض بشكل صارخ مع التغطية الإعلامية للحرب في أوكرانيا، حيث أثار اكتشاف مقبرة جماعية تحتوي على نحو مئة جثة في ضاحية بوتشا بالعاصمة كييف غضبا دوليا، وأُلقي اللوم فيها على القوات الروسية.
وسرعان ما أصبحت بوتشا في الإعلام الغربي صفة ملازمة لما وصفه بالوحشية الروسية، لتنطلق الدعوات على مدى أشهر من الزمن مطالبة بمحاكمة القادة الروس بتهمة الإبادة الجماعية.
لا ضغوط
وقال الصحفي البريطاني إن اللامبالاة التي أظهرتها وسائل الإعلام الغربية، تجاه المقابر الجماعية التي عُثر عليها في غزة، أراحت حزبي العمال والمحافظين في البلاد كثيرا.
ونتيجة لذلك، فقد تجنبت بريطانيا -برأي كوك- الضغط على إسرائيل من أجل وضع حد لإراقة الدماء في غزة، بل رفضت التوقف عن بيع الأسلحة التي ساعدت دولة الاحتلال على قتل الفلسطينيين، وربما عمال الإغاثة أيضا.
بل امتثلت بريطانيا لطلب إسرائيل، فقطعت التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تعد الأنسب لمنع حدوث مجاعة تتسبب فيها إسرائيل عمدا في غزة، وذلك من خلال رفض دخول مواد الإغاثة إلى القطاع.
ووفقا للمقال، فقد ساهم امتناع بريطانيا عن التصويت في إحباط قرار في مجلس الأمن الدولي هذا الشهر يقضي بالاعتراف بدولة فلسطين.
وأثار دعم حزبي العمال والمحافظين للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة موجة من الغضب الشعبي العارم، تجلى أحد أشكاله -كما يقول كوك- في الاحتجاجات المتواصلة في لندن التي تجتذب مئات الآلاف من المتظاهرين.
ومرة أخرى، يعود كوك لانتقاد وسائل الإعلام البريطانية، التي بدت -من وجهة نظره- أقل اكتراثا بتغطية الفظائع الإسرائيلية وأكثر اهتماما بإلقاء المسؤولية، زورا وبهتانا، على "الدوافع الخبيثة" لقطاعات واسعة من الجمهور البريطاني الغاضب مما يحدث في غزة.
خدعة واضحة
ومن الغريب -كما يقول الكاتب- أن تطغى تماما خدعة واضحة وضوح الشمس، من تدبير إحدى جماعات الضغط (اللوبي) الإسرائيلية، على اكتشاف المقابر الجماعية في قطاع غزة.
فقد حاول جدعون فالتر، الرئيس التنفيذي لما تسمى "الحملة ضد معاداة السامية" إيقاف مسيرات لندن السلمية التي تدعو إلى وضع حد لذبح الرجال والنساء والأطفال في غزة منذ أن بدأت إسرائيل هجومها العسكري قبل أكثر من 6 أشهر.
ونسب مقال "ميدل إيست آي" إلى فالتر وصفه مئات الآلاف من الأشخاص الذين يخرجون بانتظام للدعوة إلى وقف إطلاق النار -بما في ذلك كتلة كبيرة من اليهود- بأنهم "غوغاء خارجون عن القانون" ويشكلون تهديدا مباشرا لليهود من أمثاله.
ويظهر مقطع فيديو منشور على وسائل التواصل فالتر يواجه الشرطة في حادثة سابقة حاول فيها قيادة شاحنة كبيرة تحمل رسائل مؤيدة لإسرائيل على طريق المسيرة.
وقال كوك إن المناقشات الحقيقية -حول الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة وبريطانيا ما تزالان تدعمان بهمة قصف وتجويع سكان غزة بعد 6 أشهر من الإبادة الجماعية- قد خفت صوتها بفعل الأخبار الكاذبة التي يبثها اللوبي الإسرائيلي.
واتهم الكاتب كلاً من الحكومة وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بالعمل معاً لمساعدة إسرائيل والمدافعين عن الإبادة الجماعية على الفوز بمعركة العلاقات العامة