صحيح هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الأمير الشاب في مقابلة طويلة مزدحمة بالأسئلة، وفي توقيت لافت تزامن مع ذكرى الاستقلال ومرور 25 عاما على عهد المملكة الرابعة، وفي ظل تحولات كبيرة تشهدها المنطقة والعالم، آخرها الحرب على غزة، صحيح، أيضاً، اتسم حديثه بالشمولية والتلقائية وسعة الأفق والصراحة، وتجاوز كثيرا من الألغام الصحفية بجرأة وشجاعة، لكن ثمة ثلاثة عناوين -على الأقل – استوقفتني، الأول : خزان كبير من الثقة بالنفس والبلد والأردنيين، وجرأة بالطرح، ودقة بتوجيه الرسائل، الثاني: وعي عميق على التاريخ الأردني، وعلى الواقع بتفاصيله، وقدرة على استشراف المستقبل، الثالث : روح وطنية تتحرك في إطار عربي وإسلامي، ممتلئة بالهمة، ومفتوحة على الأمل.
بصراحه حرصت على متابعة هذه المقابلة، قلت: الأمير يمثل نموذجا لأبنائنا الذين وُلِد معظمهم في الألفية الثانية، ويحتاجون إلى شاب مثلهم يتحدث إليهم وباسمهم، خاصة في القضايا التي تزدحم بها أجنداتنا الوطنية، والأخرى التي تداهمنا من الخارج، الأمير، بحكم موقعه كولي للعهد، يستطيع ان يطمئننا على استمرار مسيرة الدولة/ دولتنا، ويعيد لأجيالنا الثقة بمؤسساتها وقدرتها على الصمود ومواجهة الأزمات، الأمير يواجه أسئلة السياسة ويجيب عليها بوضوح، ثم يوجّه النقاش العام، بعيداً عن الانفعالات التي يشهدها واقعنا، إلى الإطار الصحيح؛ حيث موازين المصالح الوطنية العليا، وقضايا الأمة العادلة، وعلاقاتنا مع عمقنا العربي ومحيطنا الإقليمي والدولي.
كل ما ذكره ولي العهد في المقابلة مع قناة (العربية) يصب في هذه الاتجاهات؛ الدولة الأردنية التي واجهت الأزمات وتجاوزتها بالصمود وبمزيد من القوة والحكمة والإنجاز، الاعتمادية على الذات والاكتفائية هي قاعدة الانطلاق نحو المستقبل، وضمان الاستقرار والازدهار، المملكة الفتية التي يشكل الشباب أغلبية مواطنيها تخوض معاركها السياسية والتنموية والثقافية من بوابة الاعتزاز بالذات، والانفتاح على العصر والعالم، بكل ما يحفل به من تحديات ومستجدات، كما أننا نحظى بقيادة تتعامل مع القضايا والأزمات بحكمة وهدوء وشجاعة.
مهمة الأردن، كما قال الأمير، لم تكن سهلة بالماضي، ولا بالمستقبل، لكنه أثبت جاهزيته الدائمة لمواجهة العواصف والتحديات، استطاع – بجهود الملك ومصداقيته، أن يكسب احترام العالم، لا نخشى في الأردن من التصدع الداخلي، ولا نريد أن نكون أسرى لأزمات تاريخية تصدينا فيها للفوضى وتجاوزناها، كما أننا نراهن دائما على وعي الأردنيين الذين أثبتوا أنهم يقفون مع بلدهم عند أي أزمة، هنا لا فرق بين الموالاة والمعارضة، فكلاهما داخل الدائرة الوطنية الكاملة، ما دام أن هدف الجميع هو خدمة البلد والحفاظ على مصالحه.
أمام الأردن، كما قال ولي العهد، ملفات عديدة يتعامل معها بمنطق الدولة الحريصة على استقرارها واستقرار المنطقة والعالم، القضية الفلسطينية في صلب الهم الأردني، صحيح الحرب على غزة صدمتنا، والتطرف الإسرائيلي دمر أي أفق للسلام، لكن لا بد من حل الصراع على أساس الوصول لدولة فلسطينية وفق القوانين الدولية، ملف العلاقة الأردنية مع إيران مفتوح على حوار قائم يقوم على احترام حسن الجوار، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، أما ملف العلاقة مع المملكة العربية السعودية الشقيقة فيستند إلى أواصر عميقة، تاريخياً وسياسياً، ويحظى بالاهتمام الدائم، ويصب في مصلحة الطرفين والمنطقة أيضاً.