تعتبر الراحلة رباب عبدالله العوران أم ياسر العمري من الرعيل الأول القديم ( الجيل الذهبي ) حيث ولدت - رحمها الله - في محافظة الطفيلة عام ( ١٩٤٧ ) وهي ابنة الشيخ الراحل عبدالله ذياب العوران شيخ مشايخ الطفيلة شيخ مَنْقَّع الدم و زوجة عطوفة الأستاذ أحمد عقلة العمري ( أبو ياسر ) من اوائل المدرسين في الطفيلة لا سيما أنه تعين فيها عام (١٩٦٥) وبقي فيها ما يقارب ( ١٥ ) عام و هو ممن عاصروا الشيخ أحمد الدباغ - رحمه الله - الذي قال عنه الدباغ :"خذوا العلم من أبي ياسر، ما بخليك تطلع من الطفيلة، أنت أصبحت واحد منا " هذه العبارات قالها الشيخ الدباغ ، بعدما أثبت الفاضل أبو ياسر أنه عالمٌ بعد اختباره من قبل السيد الدباغ في الأحكام الشرعية وأعطاه شهادة بذلك ، علاوة على أنه صديقٌ ورفيقٌ مقرب جدا من الراحل المفكر فؤاد العوران - رحمه الله - الذي كان له دور كبير في زواجه من الفاضلة رباب- رحمها الله - بعدما زكاه الدباغ وأشاد فيه أمام الشيخ (أبو غازي) بعدما قال أبو ياسر للشيخ عبدالله العوران أسأل الدباغ رحمه الله عني .
تميزت الراحلة بالشخصية القوية في الحق ، ويشهد لها بأنها شخصية قويه وجريئة جداً وإدارية ناجحة بامتياز ، في نفس الوقت كانت مربية و معطاءة وحنونة وحكيمة ممن يتمتعون بسمات تربوية و على الأعم الأغلب شهرتها في حقل الإدارة المدرسية و إجتماعيا بصورة فريدة لا نظير لها على مستوى الوطن لا سيما صفاتها ، فطنة في إيمانها ، نيفٌة في علمها ، فصيحة في لسانها ، ساحرة للقلب و مقنعة للب ، لا تثيرها جعجة القوم و لا تخبت من عزائمها نوائب الدهر ، بحرٌ في عطائها ، حصيفة مع صحبها ، لا تذبل أزهارها و لا نوارها ، صنديدة في الشدائد ، قشيبة في مظهرها ، جلجالُ في قولها ، سديدة في رأيها ، حكيمة في ردها ، كيسة في عقلها ، سخية في مالها ، يعسوبة في مجتمعها ، متنوعة في ثقافتها ، متزنة في طبعها ، صبورة في حلمها ، مترفعة عن الصغائر و سفاسفها ، لا يفتر نشاطها و لا يخبت عطاؤها ، مضيئة في مدرستها و مجتمعها ، مهيبة في إدارتها ، مفوهة ذات هيبة و وقار عند وقوفها أمام طلبتها .
حصلت على الثانوية العامة الفرع الأدبي من الطفيلة في عام (١٩٦٤ ) ، وحصلت على دبلوم من معهد التأهيل التربوي في عام (١٩٧٦) ، تم تعيينها معلمة في وزارة التربية والتعليم في قرية عيمة عام (١٩٦٥) مع الفضليات فايزة ومناهي العوران أطال الله في عمريهما .
بعدها انتقلت إلى مدرسة الطفيلة الثانوية للبنات ( إدارية ومدرسة علوم منزلية ) وكانت مديرة المدرسة في ذلك الوقت الفاضلة عفاف العطيوي شفاها الله .
يسجل لها خلال هذه الفترة الزمنية التي أمضتها في المدرسة الثانوية بتميزها وحرصها - رحمها الله - على تأهيل بنات المدرسة في مجال العلوم المنزلية بالإضافة إلى ضبط المدرسة إدارياً ، حتى أن مناوبتها خلال الأسبوع كانت مميزة وفي حالة من الانضباط التام من قبل الطالبات وفق ما نقله لنا الفاضل أحمد السهارين أبو خالد - أطال الله عمره - الذي عاصرها في المدرسة الثانوية .
تم انتدابها من قبل مديرية التربية والتعليم في ذلك الوقت للإشراف على معلمات التدبير المنزلي لخبرتها وكفاءتها في التدريس والإشراف على الطالبات .
كانت الراحلة مهيوبة جداً من جميع طالبات المدرسة وكانت لا تجامل أحداً نهائياً في قول الحق و يذكر عنها عدالتها في التعامل مع الطالبات و أخواتها على حد سواء اللواتي كانت معلمة عليهن في نفس المدرسة .
عاصرت الكثير من الشخصيات التربوية في مدرسة الطفيلة الثانوية للبنات على رأسهم معالي الأستاذ محمد الذويب و الأفاضل أحمد السهارين ، و سليمان القوابعة ، و رحاب العوران ، و مناهي العوران .
في عام (١٩٧٩) إنتقلت مع زوجها وأسرتها إلى المفرق و عملت بنجاح مديرة لمدرسة المفرق الإعدادية .
و في عام (١٩٨٢) انتقلت إلى محافظة إربد وعلمت مديرة لمدرسة الشفاء الإعدادية ، حيث نجحت وتميزت بصورة لافتة للأنظار ليتم اختيارها من قبل مدير التربية والتعليم شخصيا في إربد في ذلك الوقت للتجهيز والإعداد لمدرسة جديدة و تسليمها مفاتيح المبنى الجديد لتكون مدرسة مميزة على مستوى إربد ليتم أفتتاحها وهي مدرسة صفية بنت عبدالمطلب الثانويه للبنات .
يقال أن مدير التربية والتعليم أخذها معه في سيارته للمبنى الجديد وسلمها المفاتيح لتبدأ قصة نجاح فيها ما زالت خيوطها تنسج إلى وقتنا الحاضر ، حيث عملت الراحلة العوران على إختيار كادر عمل مميز لإدارة المدرسة وعملت معه بكل توافق وتميز وشفافية ، ومما يثير الإعجاب أن الراحلة كانت تعمل مع أبناءها وزوجها طوال ساعات النهار والليل في التحضير لتجهيز و أفتتاح المدرسة حتى ساعات متأخرة من الليل .
في تلك الفترة لمع نجمها كمديرة متميزة وقائدة تربوية على مستوى محافظة إربد ، فقد كان يشار لها بالبنان من قبل المسؤولين رغم أنها إبنة الطفيلة .
يشهد لها بالعمل الدؤوب المميز في تلك الفتره في تأهيل الفتيات ، وفتح روضة ، ومساعدة الأسر العفيفة .
كانت مدرسة صفية تقع في حي التركمان في إربد، وكان هذا الحي معروفا بأن عدداً كبيراً من أولياء الأمور مغتربون للعمل خارج الوطن ؛ لذلك فقد كانت الراحلة حريصةً على بنات المدرسة ( بنات الحي ) داخل وخارج المدرسة تراقب كل شاردة وواردة في المدرسة وخارجها .
كانت الراحلة حريصة على تربية البنات وتعريفهن بأهمية التعليم من خلال متابعة أدق التفاصيل لطالبات المدرسة، وكانت تعمل لساعات متأخرة من الليل في المدرسة ، تتابع مع الأمهات أدق التفاصيل ، وكانت من أوائل المدارس التي حرصت على ترسيخ الإرشاد النفسي للطالبات ، حيث أوكلت المهمة للمرشدة في ذلك الوقت الفاضلة نايفة منسي .
يقال أن الطالبات كنَّ يهابنها أكثر من أن تهاب الطالبة والديها رغم انها لم تستخدم نهائيا في يوم من الأيام العنف أو العقوبات ...
ومن القصص المعروفة في إربد، أنها في يوم من الأيام قررت عقد اجتماع لأولياء الأمور ومن حرص الطالبات واحتراما لهيبتها ، فقد كان الحضور لافتا للانتباه بإعداد كبيرة حتى أنها جعلت مدير الشرطة في إربد يسألها عن هذا المهرجان الكبير !! بالإضافة لذلك فقد قامت بفتح حضانة لأطفال المعلمات حرصا على راحتهن .
وأهتمت كثيراً بتطوير المدرسة ، فكانت من أوائل المدارس في المنطقة التي يتم تجهيزها بأدوات ومعدات للتعليم المنزلي والمهني .
و يقال أنها كانت من المدارس القليلة جداً التي يوجد فيها أجهزة كمبيوتر في ذلك الوقت ، حيث حصلت على ذلك من خلال النشاط المجتمعي وجمع تبرعات للمدرسة من خلال عرض الإنجازات ، لذلك فقد كانت المدرسة مقصدا لزيارة سمو الأمير الحسن بن طلال ، حيث كان معجبا جدا بإنجازات المدرسة ، وقال :" ها هي بنت الطفيلة تبني لكم مدرسة حديثة ومتطورة في إربد" في إشارة منه إلى سمعة المدرسة والصيت الذي ازدانت فيه منذ تولي الراحلة العوران إدارتها .
لقد تركت الراحلة لمسات إيجابية و إنجازات كبيرة في مدرسة صفية بنت عبد المطلب يشهد لها القاصي والداني ، بحيث كانت تُسير المدرسة على النهج السليم ، وفق تعبير أحد الأفاضل ، في إشارة منه لمدى النظام و الإلتزام الذي كانت المدرسة تتمتع به زمن الراحلة رباب العوران رحمة الله عليها .
كان الجميع يتمنى الدراسة عندها في المدرسة لغزارة العلم و الثقافة التي كان تتمتع بها الراحلة التي لا ينكرها القاصي ولا الداني ، و كذلك لشخصيتها القوية جدا ، فقد كانت الطالبات يحسبنَّ لها ألف حساب ،و هن في بيوتهن و قبل قدومهن للمدرسة ، حتى أن بعض الطالبات يخشنها و لا يتجرأن في الذهاب للمدرسة إذا كن غير ملتزمات بالزي الرسمي والحجاب .
والمح البعض إلى قوة تأثير شخصيتها على النظام في مدرسة صفية بنت عبدالمطلب في إربد، مستذكرين أن الراحلة كانت حين تصعد درج المدرسة يسود الصمت و الهدوء بالتزامن مع وجود مئات الطالبات اللواتي ينظرن لها بترقب و هدوء من بعيد و هي تَهمُ لصعود الدرج ، حيث يتهيأن وقوفاً و إحتراماً و تقديراً لهيبتها لقوة شخصيتها ، مضيفين أن الراحلة تخرج من إدارة مدرستها الآف الطالبات اللواتي أصبح البعض منهن قيادات يشار لها بالبنان في مؤسسات الدولة .
وأضافوا ، أن الراحلة عملت على تأسيس مدرسة صفية بنت عبدالمطلب، حيث كان الفريق الإداري والتعليمي يعملون بتوجيهات الراحلة العوران ؛ كونها خبيرة في خبراتها ، قديرة في قيادتها و أخبر منهم في إدارة المدرسة ، حيث ينسب لها الفضل في تأسيس المدرسة وأزدهارها، مشيرين إلى أن المدرسة أصبحت تحظى بإحترامٍ كبيرٍ في محافظة إربد من قبل المجتمع والمسؤولين .
في عام (١٩٨٩) تقاعدت من وزارة التربية والتعليم ، حيث انتقلت مع زوجها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الذي كان يعمل مستشاراً ، حيث تم اختيارها ضمن الكادر الإداري في مدرسة راهبات الوردية في أبو ظبي ، ويقال أن الراحلة رباب العوران لفتت الأنظار في أول أسبوع تلتحق به في المدرسة ، حيث عملت على ضبط المدرسة بصورة غير مسبوقة ولافتة للنظر و كانت لها هيبة ووهرة عندما تقف أمام الطالبات، يخيم الصمت والهدوء حتى أن المسؤولين في الإمارات قد نقلوا أنبهارهم وأعجابهم بما قامت به أم ياسر في المدرسة إلى زوجها (أبو ياسر ) وكأنهم شعروا بمفاجأة مما كانت تتصف به من هيبة انعكست على المدرسة وفق ما نقل لنا زوجها (أبو ياسر )اطال الله في عمره .
كان - رحمها الله - نظامية دقيقة في عملها ، شديدة على الأخطاء ، حازمة في تصحيحها ، عازمة في إقرارها، ذات هيبة عند وقوفها أمام طلبتها في ساحة المدرسة و وهرة و شدة في إتخاذ القرارات لمصلحة العملية التربوية ، حيث أن هذه الشدة و الحزم كانت دوما لمصلحة الطالبات مما شكل منظومة متكاملة عملت على إنتاج قيادات وطنية و إجتماعية على مستوى الوطن ، و أصبحنا نشاهد ثمارها و نتاج غرسها على مجتمعنا و مؤسساتنا الحكومية في الأردن .
لم تكن الراحلة تتصرف كباقي الأطفال في صغرها ، كانت تكره اللهو واللعب ، تكثر من مجالسة والديها ووالدها على وجه الخصوص، وكبار السن تراقب تصرفاتهما وطريقة حديثهما ، حتى أن والدها الشيخ عبدالله العوران شيخ مشايخ الطفيلة في ذلك الوقت قد لاحظ رزانة و فطنة ابنته ، وتميزها عن الأطفال؛ مما دفعه أن يمتدحها كثيرا ، بعدما شاهد رزانتها وما تتمتع به من ذكاء وكياسة رغم صغر سنها .
انسحبت مراحل طفولة الراحلة رباب العوران بما مثلته من صفات جينية و قيم وعادات موروثة على مرحلة شبابها لا سيما عندما أصبحت معلمة ، ورئيسة جمعية خيرية ، ومن ثم مديرة من طراز رفيع ورفيع ، لاحظ من كان يعاصرها في تلك الفترة ما تمتعت به من فراسة و إدراك وكرم وطيب وشهامة في التعامل مع أبناء مجتمعها في الطفيلة ولاحقا في إربد لا سيما عندما كانت مديرة مدرسة في محافظة إربد ، كانت تقوم بإكرام الضيوف خير إكرام، وتتبرع بمبلغ يفوق ما تتبرعه المعلمات ، حيث كانت تدفع عن المعلمات الفقيرات دون اشعارهن وبسرية تامة كما يفعل الشيوخ في الزمان الماضي .
يقال أنها كانت تصرف راتبها الذي تتقاضاه من وزارة التربية والتعليم على الفقراء من الأطفال الذين كانت تشاهدهم في الشارع والمدرسة ، هذه شواهد ومواقف أكدها كثير ممن تتلمذوا على يديها وعاصروها ، حتى كانت تأخذ بعض الأطفال ممن تشاهدهم يلعبون دون أحذية إلى السوق وتقوم بكسائهم بشراء الأحذية والملابس لهم ، تشعر بحرقة وتتألم عما كان يعيشه الناس من واقع مرير صعب وظروف قاهرة في ذلك الزمان ، فقد حرصت على مساعدة الفقراء والمحتاجين حتى أن زوجها المحب لها والأبناء و الأهل المقربين- أطال الله أعمارهم - لم يكونوا يعرفون ما كانت تفعله أم ياسر في بداية تعيينها ، امتدادا لما كانت تفعله في الجمعية الخيرية التي كانت ترأسها في الطفيلة زمن والدها وتقدم كل أشكال الدعم للفقراء بدعم من والدها في ذلك الزمان الذي كان يرأس بلدية الطفيلة ، لقد تجاوزت أم ياسر العرف في سخائها على الفقراء ، نسأل الله أن يكثر من أمثال أم ياسر في مجتمعنا الأردني .
يذكر أن الراحلة والدة كل من : المهندس ياسر ، والمهندس محمد ، والاستاذ المحامي يزن العمري ، والمهندسه ربى العمري التي حرصت على ان تسير على درب والديها في قطاع التربية والتعليم حيث اكملت دراستها في تخصص الهندسه الإلكترونية وتخرجت الأولى على دفعتها ، ثم اكملت ماجستير الكمبيوتر في جامعة العلوم والتكنولوجيا لتبدأ عملها في الوزارة منذ العام 1994 حيث عملت في عدة مواقع كان أخرها مدير ادارة لمركز الملكة رانيا العبدالله لتكنولوجيا التعليم والمعلومات حتى تقاعدها .
نسأل الله العفو عنك و المغفرة لك والرحمة يا أم ياسر ، وجزاك الله خيرا على ما قدمت للوطن من إرث حافل بالإنجازات سوف تبقى محفورة في ذاكرة التاريخ و سوف تبقى سيرتك النقية الطاهرة ، وإرثك من القيم والمثل النبيلة الموروثة ، شاهدة على شيخة و قامة و رمز من رموز وطننا الغالي الحبيب الذي نفتديه بالمهج و الأرواح .