يصادف يوم السادس والعشرين من شهر يونيو من كل عام اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، ويشرف الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب مشاركة المجتمع الدولي بهذه المناسبة، والتي تهدف إلى التذكير بآفة المخدرات والتوعية بأخطارها وأضرارها المختلفة، وكذلك تحفيز الجهود الشعبية والرسمية للمشاركة في التصدي لها، والسيطرة عليها باستخدام كل السبل والإمكانيات المتاحة.
إن هذه المناسبة تشكل فرصة هامة لتكثيف التوعية بأخطار المخدرات، والتأثيرات الكبيرة التي تتسبب بها، واليقظة تجاه مهربي هذه السموم ومروجيها، والتنبه الكبير لأساليبهم الخبيثة في الوصول لأهدافهم الرخيصة،خاصة محاولات استغلالهم للتكنولوجيا الحديثة وتوظيفهم لها في أساليب التهريب والتوزيع وغيرها من الممارسات.
وهنا يجب التنويه إلى ضرورة أن تتمحور الجهود العربية والإقليمية والدولية حول التطورات والتحديات التي طرأت على الساحة العالمية لجريمة المخدرات، من حيث شبكات التصنيع والتوزيع، والتطورات الحالية والمتوقعة على خطوط التهريب وأنماط التعاطي، لتتمكن كافة الدول والهيئات والمنظمات العالمية من تطوير خططها واستراتيجياتها المعنية بالمكافحة، بما ينسجم مع التحديات والمستجدات العالمية لهذه الجريمة، وكذلك استشراف المستقبل، بما يتعلق بالتطورات المتوقعة على نشاط شبكات تصنيع وتهريب المواد المخدرة وخطوط نقلها.
وفي هذا السياق فإن أبرز هذه التطورات والتحديات تتمثل في الازدياد الملحوظ في تصنيع وتهريب المواد المخدرة الاصطناعية، وخصوصاً مادتي الكريستال، والكبتاجون، ومما زاد من مخاطر انتشار تهريب مادة الكريستال المخدر في بعض دولنا العربية ودول غرب أسيا بشكل عام، هو الازدياد الملحوظ في تصنيع الكريستال في بعض دول الجوار، وتهريبه إلى دول المنطقة.
كما تتمثل هذه التطورات والتحديات في التوجه العالمي لإباحة زراعة الحشيش لغايات علاجية، وتشير التقارير الدولية إلى توقع ازدياد تعاطي مادة الحشيش المخدر حتى عام 2030 إلى نسبة قد تصل 40% في بعض المناطق الإقليمية ولا سيما شمال أفريقيا، نتيجة لهذا التوجه العالمي، وكذلك التطور الكبير في قدرات شبكات زراعة وتصنيع وتهريب المخدرات، وخصوصاً تلك القدرات المرتبطة باستخدام التكنولوجيا، كالترويج عبر الأنترنت، سواء عن طريق الأنشطة الدعائية المضللة لتشجيع الشباب على تعاطي المخدرات، أو استخدام الأنترنت لعقد صفقات ترويج وتهريب للمواد المخدرة، وتنفيذ لعمليات دفع أثمانها الكترونيا أو عن طريق العملات المشفرة.
أما الخطر الأكبر في استخدام التكنولوجيا في جريمة المخدرات والذي لا بد لجميع الأجهزة المعنية من اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته واستشراف المستقبل حياله فيتمثل في استخدام شبكات تصنيع وتهريب المخدرات للذكاء الاصطناعي، ففي الوقت الذي يساعدنا فيه هذا الذكاء على تحقيق تقدم كبير في العديد من المجالات، فإنه يمكن استغلاله أيضًا لأغراضٍ غير شرعية، مثل الاتجار بالمخدرات، فمن خلال استخدام خوارزمياتٍ ذكية، يمكن لتجار المخدرات تحديد أفضل الطرق لتهريب المخدرات عبرَ الحدود، وتحديد أسواق جديدة لبيعها، وكذلك التواصل مع العملاء بشكل آمن وفعال.
ولكن الذكاء الاصطناعي لا يستخدم فقط في الاتجار بالمخدرات، بل يمكن استغلاله أيضًا لمكافحة هذه الآفة، فمن خلال استخدام تقنياته، يمكن لأجهزة إنفاذ القانون تحليل البيانات الضخمة للتعرف على شبكات الإتجار بالمخدرات، وتحديد أنماط تهريبها وتوقعها، ومراقبة الحدود بشكل أكثر فعالية، ولذلك، فإننا نؤكد على ضرورة الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات المكافحة، وأهمية التنسيق والتعاون الدولي لتبادل الخبرات والمعلومات في هذا المجال.
وإيماناً من الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، بضرورة تفعيل الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون العربي، ومواكبة التطورات الإقليمية والعالمية على ساحة جريمة المخدرات، فان الأمانة العامة بصدد تطوير الاستراتيجية العربية لمكافحة الاستخدام غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية، إضافة إلى أن الأمانة تقوم حالياً ومن خلال لجنة مختصة بدراسة سبل تعزيز جهود المجلس في الوقاية من المخدرات ومكافحتها، كما قامت بإنشاء فريق عمل عربي معني بالتبادل الفوري للمعلومات بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية، والذي تم إقرار نظامه الداخلي في المؤتمر العربي السابع والثلاثين لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات الذي عقد في مدينة عمّان مطلع نوفمبر من العام 2023م، وقد صادق عليه مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته الحادية والأربعين التي عقدت في تونس في السابع والعشرين من شهر فبراير من هذا العام 2024م، كما قامت الأمانة العامة بإبرام مذكرة تفاهم مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة خلال العام 2023م، بهدف تعزيز التعاون وتبادل الخبرات وتنفيذ الأنشطة والمبادرات من أجل تحقيق الأهداف المشتركة في هذا المجال، وغيرها من الجهود التي لا يتسع المقام لذكرها.
حري بنا في هذا اليوم تجديد الدعوة إلى دعم كافة الجهود المبذولة من قبل الأجهزة المعنية في دولنا العربية، والتعاون المتكامل وتوحيد القوانين الرادعة ووضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج الفاعلة لمواجهة انتشار هذه الآفة، وملاحقة مرتكبيها ومراعاة الصلة الوثيقة بين من يتاجرون بهذه المواد وبين الشبكات الإجرامية المنظمة الضالعة بعمليات التهريب، وصولا إلى تحقيق الغايات المنشودة في تأمين مجتمعاتنا وتحصينها من شرور ومآسي هذه الآفة، حتى يتمكن الجميع من العيش في بيئة سليمة معافاة ومجتمع آمن مطمئن...