لا شك أن الموت حقيقة حتمية لا مفر منها، ولكن هذا لم يمنع الباحثين في مجال الصحة من البحث عن سبل لإرجاء حدوثه لأطول فترة ممكنة. وتتميز أحدث طريقة رشحها الباحثون من أجل تحقيق ذلك بأنها مجانية وغير مؤلمة، ومذاقها ليس سيئا، ولن تضطر المرء لبذل مجهود وهي: الامتنان.
وذكرت صحيفة لوس انجلوس تايمز أن دراسة جديدة تضم نحو 50 ألف سيدة بالغة توصلت إلى أنه كلما زادت قوة مشاعر الامتنان لديهن، كلما قلت فرص وفاتهن خلال الثلاثة أعوام التالية.
وبالتأكيد سوف يرحب الأشخاص الذين يميلون بطبيعتهم إلى تقديم الشكر بنتائج الدراسة. في حين أن الأشخاص الذين لا يميلون لذلك، ربما يشعرون بالامتنان لمعرفة أنه بالممارسة، ربما يتمكنون من تعزيز شعورهم بالامتنان ويتمكنون من جني مكاسب طول العمر أيضا.
وقال جويل وونج أستاذ الارشاد النفسي في جامعة انديانا، الذي يتناول بالبحث ممارسات وتدخلات الامتنان، ولم يشارك في الدراسة الجديدة " إنها دراسة مثيرة".
وربطت أدلة متزايدة ما بين الامتنان ومجموعة من المزايا من أجل الصحة العقلية والبدنية. وتم التوصل إلى أن الأشخاص الذين يسجلون درجات أعلى على مقاييس الامتنان يتمتعون بمؤشرات حيوية أفضل بالنسبة لوظائف القلب والأوعية الدموية، والتهاب النظام المناعي والكوليسترول. كما أنه من المرجح بصورة كبيرة أن يتناولوا أدويتهم ويمارسوا التمارين الرياضية بصورة دورية، كما أنهم يتبعون عادات نوم صحية ونظام غذائي متوازن.
كما أن الامتنان مرتبط بانخفاض خطورة الإصابة بالاكتئاب، وبدعم اجتماعي أفضل وبتبنى هدف أكبر في الحياة، وكل هذه الأمور مرتبطة بطول العمر.
مع ذلك، هذه أول مرة يربط فيها الباحثون بصورة مباشرة ما بين الامتنان وانخفاض خطورة الوفاة مبكرا، حسبما قال وونج وآخرون.
وقال وونج " الأمر ليس مفاجأة، ولكن من الجيد دائما أن نرى بحثا تجريبيا يدعم فكرة أن الامتنان ليس فقط أمرا جيدا بالنسبة للصحة العقلية ولكن أيضا جيدا من أجل العيش لفترة أطول".
وقالت ينغ تشين، كبيرة واضعي الدراسة، والعالمة الباحثة التجريبية في برنامج هيومن فلورشينغ في جامعة هارفارد إنها تشعر بالدهشة لندرة الدراسات التي تربط بين الامتنان والوفاة. لذلك لجأت هي وزملاؤها للحصول على بيانات من Study Health Nurses وهي دراسة خاصة بصحة الممرضات ترصد صحة وعادات الآلاف من النساء الأمريكيات منذ عام 1976.
وخلال عام 2016، تضمنت هذه الجهود اختبارا لقياس شعور الممرضات بالامتنان. وطٌلب منهن استخدام مقياس مؤلف من سبع نقاط لتحديد درجة موافقتهن أو عدم موافقتهن على ستة أقوال، بما فيها "لدى الكثير في الحياة الذي أشعر بالامتنان تجاهه" و " إذا كان يتعين علي أن أكتب لائحة تضم الأمور التي أشعر بالامتنان تجاهها سوف تكون القائمة طويلة للغاية".
وقدمت 49 ألفا و275 ممرضة إجاباتهن، وقسم الباحثون الإجابات إلى نحو ثلاث مجموعات بناء على درجات الامتنان. وبالمقارنة بالنساء صاحبات أقل درجات، كانت اللاتي سجلن أعلى درجات يملن لأن يكن أصغر سنا ومن المرجح بصورة كبيرة أن يكون لهن زوج أو حبيب، كما أنهن أكثر مشاركة في الجماعات الاجتماعية والدينية، وبوجه عام يتمتعن بصحة أفضل.
وبلغ متوسط عمر الممرضات اللاتي أجبن على الأسئلة 79 عاما، وبحلول نهاية 2019، توفى منهن 4068 سيدة. وبعد الأخذ في الاعتبار عدة عوامل مثل متوسط دخل الأسرة ووضعهن التقاعدي ومشاركتهن في الأنشطة الدينية، خلصت تشين وزملاؤها إلى أن الممرضات اللاتي لديهن أعلى شعور بالامتنان أقل عرضة للوفاة بنسبة 29% مقارنة بالأقل امتنانا.
ولجأ الباحثون بعد ذلك إلى التعمق بصورة أكبر من خلال مراعاة مجموعة من المشاكل الصحية تتضمن تاريخ مرض القلب، والسكتة الدماغية، والسرطان ومرض السكرى. وجاءت نسبة خطورة وفاة النساء الأكثر امتنانا أيضا أقل بنسبة 27% من الأقل امتنانا.
وحينما أخذ الباحثون في الاعتبار تأثيرات التدخين، وممارسة التمارين الرياضية، ومؤشر كتلة الجسم وجودة النظام الغذائي، جاءت أيضا نسبة خطورة وفاة الممرضات الأكثر امتنانا أقل بنسبة 21% من الأقل امتنانا.
وفي النهاية، أضافت تشين وزملاؤها مقاييس الوظيفة المعرفيةـ والصحة العقلية، والراحة النفسية. وحتى بعد مراعاة هذه المتغيرات، كانت نسبة وفاة الأكثر امتنانا أقل بنسبة 9% مقارنة بالأقل امتنانا.
وجرى نشر نتائج الدراسة في دورية جاما للطب النفسي.
وعلى الرغم من أن الدراسة أظهرت علاقة واضحة بين الامتنان وطول العمر، فإن ذلك لا يثبت أن أحدهما يسبب الآخر. وعلى الرغم من أنه من المنطقي أن يساعد الامتنان الأشخاص على العيش لفترة أطول، فإنه من المحتمل أيضا أن يؤدي التمتع بصحة جيدة للشعور بالامتنان، أو أن العاملين يتأثران بعامل ثالث لم تتضمنه بيانات الدراسة.
وأشار فريق هارفارد إلى إمكانية وجود سلبيات للامتنان، وذلك في حال ارتبط بشعور الشخص أنه مدين لغيره، فإن ذلك يمكن أن يقوض شعور المرء بالاستقلالية أو إبراز علاقة هرمية.
وقالت سونغا ليبوميرسكي، الباحثة التجريبية في علم النفس الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا ريفيرسيد، التي تدرس الامتنان ولم تشارك في الدراسة، إن شعور الشخص بأنه مدين لغيره يمكن أن يجعله يشعر بأنه عبء على الآخرين، وهو أمر خطير لأي شخص يعاني من الاكتئاب.
ولكن في معظم الحالات، يعتبر الامتنان شعورا يستحق العمل على اكتسابه، حسبما قالت ليوبوميرسكي. وقد أظهرت التجارب السريرية أنه يمكن تعزيز الامتنان من خلال خطوات بسيطة مثل الاحتفاظ بمفكرة لكتابة الأمور التي تشعر بالامتنان نحوها أو كتابة خطاب شكر وتسليمه يدا بيد. وأضافت" الامتنان مهارة يمكن بناؤها".البيان