كان سيداً في رسم ملامح التغيير في بلاده خلال النصف الثاني من القرن المنصرم وما بعده عبر ترسيخ مفاهيم الحرية والنزاهة والشجاعة وقول كلمة " لا " .. حلّق عالياً بجناحي السياسة والعلم ، وظل قابضاً على جمر العزم والإصرار والتعب حتى تمكن من حفر وشم إسمه في لوحة شرف العلماء العرب الأنقياء ، لم يهادن ولم يرضخ وبقي وفياً للحرية وكرامة الإنسان .. ابتعد عن السلطة وألاعيبها ورفض مناصب عديدة ليبقى الأقرب لتلاميذه وأهله والحارس الأمين لحق الأجيال القادمة في حياة لا تعرف ثنائية الفساد والاستبداد .
كنت محظوظاً بعلاقة قرّبتني أكثر من شخصيته الفريدة في العقود الثلاثة الماضية عبر حوارات تخطت كل الحدود ، وكان في كل مرة يشعرني بأنه ذاك الشاب الذي يملأ الارض صخباً ونبلاً وهو الباحث عن حياة أفضل لغيره ، ولقد استحقّ بذلك أن يكون على رأس أعلى قمم جبال الشراه .
يصعب أن يتكرر نبوغه ، والأمر ذاته بالنسبة لقوة شخصيته وجرأته وفهمه لأدقّ أوجاع العرب وفساد " النخبة " .
مسيرة انطوت على علمٍ وفخرٍ وبطولةٍ وزُهد ، كان فيها عمّي الفذّ والصديق البروفيسور وعالم الفيزياء النووية جاسر الشوبكي حُلما جميلاً في زمان عابق بالكبرياء.
سنفتقد حضورك المهيب أبا خلدون ، ونسأل العلي القدير أن يغفر لك وأن يرحمك بواسع عطفه وكرمه .