يتبدل الزمان ويتغير المكان ويبقى الإنسان ذو المعدن الاصيل لا يتغير، يبقى محتفظا بنقائه، لا تقدر على تغييره عوامل الزمن أو تبدل صفاته، لأن المعدن الحقيقي لا يصدأ أما المعادن الواهية قد تؤثر فيها عوامل الزمان، تبنى شخصية الانسان وتصقل من بداية التنشئة حتى تتبلور وتتكون وتصبح ظاهرة بشكل واضح مع مرور الوقت، تحمل معها مكتسباته الأخلاقية والقيميّة والفكرية وقدراته ومهاراته في التعامل بمعدنه وما يخفي في مكنونه الأصيل الثابت.
قيمة الناس عند الله بالقلوب لا بالمظاهر والاجسام، وكما جاء فالحديث «ان الله لا ينظر الى صوركم ولا اجسامكم بل ينظر الى قلوبكم» والقلوب التي في الصدور مثل الجواهر المكنونة، لا تعرف قيمتها الا إذا أخرجت ما في مكنونها، والناس مثل الارض تحمل معادن مختلفة ولكل انسان معدنه، فالشاهد هنا ليس في المظهر انما في المخبر وطيب الاصل والمعدن.
شخصية الإنسان ومعدنه الاصيل لا يمكن تمييزها بسهولة، الا بعد التعامل معها حتى تتعرف عليها، ومن أهم ما يظهر لنا طبيعة هذه القلوب المواقف الحياتية اليومية، هنا يظهر المعدن والشخصية الحقيقة، والمحن والمواقف الصعبة هي المحك والامتحان الاكبر لهذا الإنسان، أقترنت المعادن بشخصية الانسان لأن هذه المعادن تحمل صفة الصلابة وتشبة شخصية الانسان في مدى قوته وتحملة وصبره ودعمه لمن هو حوله، فكان منهم من صنف بأصيل المعدن ومنهم بالرديء والعياذ بالله، وطبيعة الناس بين هذا وذاك والمواقف هي المحك الحقيقي التي تظهر الحقيقة مهما تجمل صاحبها.
فلا يغرنك لمعان البرق حتى تمطر السماء، ولا هتان المطر حتى يسيل، وكم من مليح الوجه فصيح اللسان كاذبا وكم من كسير اللسان صادق أمين، وها نحن نعيش في هذه الحياة لنلتقي بالمخادعين بمظاهرهم ولا نعرفهم الا وقت الشده بالخذلان وتنكشف حينها الحقيقة ويعرف الصادق من الكاذب.
نعجب أحيانا ونغتر بما نراه من المظاهر البراقة، وقد نفتن بها كثيرا، عندما نلتقي أشخاص يظهرون لنا بفصاحة اللسان وبراءة المظهر وجمال الشكل، ولوكشف لنا ما في الباطن المخفي في هذه الشخصية لتغير اعجابنا بها الى الضد تماما، صاحب الأصيل لأنك لن تجد أصيل ينكر الفضل، فالاصيل إن أخذ شكر وان رأى ستر حتى في خصامة أصيل ولا يفجر، الاصيل ان ناقشته تقبل لأنه يعرف تماما بأن الإختلاف لا يفسد في الود قضية.
الانسان ذو المعدن الاصيل قريب من الأخرين لا يتوانا في مد يد العون لأنه يدرك جيدا ان مساعدة الناس ومؤازرتهم وقت الشدة هو الباقي، ولا ينتظر الفضل الا من الله عز وجل، صفاء معادن الناس يظهر في عفتهم واخلاصهم ومواقفهم ووفائهم للعهود وعدم أختلاطها بالشوائب والمعكرات التي تدنس بريقها، فعهد الكريم لا يتغير ولا يتبدل بتبدل الاحوال، كما قال لقمان الحكيم «يابني الناس معادن تصقلها الشدائد، فأمسك بأسنانك على من يؤازرك في شدتك، ولا تحزن على من فقدته، ولم تجده في محنتك».
المواقف والصحبة خير دليل على بيان معدن الانسان الذي لا يتغير ابدا بتغير الزمان والظروف ولا يمكن لأي عوامل ان تتحكم في قيمه ومبادئة الأصيلة الثابتة، التي كلما يطول عليها الزمن تبقى وتتأصل فهي الكنز الحقيقي للعلاقات الشخصية التي يظل يبحث عنها الجميع، ومن يكن ماهرا في لبس الاقنعة المتعدده والمتلونة، سوف يأتي عليه يوم ينسى فيه وجهه الحقيقي.