"أين سنذهب”… سؤال يوجهه 2.4 ملايين فلسطيني في قطاع غزة إلى العالم منذ بدء حرب الإبادة الجماعية دون أي يتلقوا أي إجابة، نزوح قسري مستمر عاشوه مرات عديدة من مكان إلى آخر في القطاع هرباً من آلة القتل والتدمير الإسرائيلية التي تلاحقهم في المنازل والطرقات ومخيمات النزوح تحت أنظار المجتمع الدولي الذي تكبله واشنطن وتمنعه من اتخاذ أي إجراء ينهي الحرب.
مليون فلسطيني يتكدسون اليوم في مساحة ضيقة لا تتجاوز 20 كيلومتراً مربعاً بمدينة دير البلح وسط القطاع بعد أوامر التهجير القسري التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي يومي الجمعة والسبت الماضيين، وطالت أهالي أحياء عدة شرق وجنوب دير البلح ومخيم المغازي وبلدة القرارة وأجزاء واسعة من منطقة المواصي وشمال مدينة خان يونس لينفذ قصفاً وحشياً على هذه الأحياء أسفر عن عشرات الشهداء والجرحى.
"مرة أخرى ينتشر الخوف حيث لم يعد لدى العائلات مكان تلجأ إليه، الناس محاصرون في كابوس لا ينتهي من الموت والدمار وعلى نطاق هائل”، وفق وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا” التي أوضحت أن الاحتلال قلص مع أوامر التهجير هذه ما يسميه "المنطقة الإنسانية” إلى 11 بالمئة فقط من مساحة القطاع، مجددة تأكيدها أنه لا مكان آمنا في القطاع، وأنه لا بد من التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار.
إيمان عودة من أهالي الأحياء الجنوبية في دير البلح قالت: "أصدر الاحتلال أمر الإخلاء دون إعطائنا وقتا لذلك ..أخذنا نلملم أغراضنا الأساسية على عجل وبدأنا الإخلاء ونحن في حالة هلع شديد، حيث كانت مسيراته تطلق الرصاص فوق رؤوسنا وقذائفه تستهدف أحياءنا ودباباته تقترب منا.. لا أعرف ماذا تبقى كي يتحرك العالم لكنه صامت منذ عام 1948 لذلك لا نستغرب سكوته اليوم”.. رئيس لجنة الطوارئ في بلدية دير البلح إسماعيل صرصور بين أن المدينة شهدت 13 موجة نزوح إليها منذ بدء العدوان، وأن أوامر الاحتلال بإخلاء عدد من الأحياء شرقها وجنوبها ومن بعض المناطق وسط وجنوب القطاع أدت إلى ازدحام شديد وتكدس الفلسطينيين النازحين قسراً في شريط ضيق لا تتجاوز مساحته 20 كيلومتراً مربعاً من المدينة بعد أن كانت 30 كيلومتراً قبل أوامر الإخلاء الأخيرة.
وحذر صرصور من أن هذا التكدس الرهيب والمخيف يزيد من تفشي الأمراض والأوبئة نتيجة الظروف المعيشية القاسية، وقال: إن عدد النازحين في دير البلح اقترب من مليون شخص، جزء منهم موزع على نحو 200 مركز إيواء ما جعل المدينة تحتضن أكبر عدد من النازحين على مستوى العالم مقارنة بمساحتها.
وأضاف صرصور: إن ضيق المساحة المحددة من الاحتلال جعل من الصعب إيجاد أماكن بديلة يلجأ إليها النازحون، ما اضطرهم إلى البقاء في الشوارع والطرقات تحت وطأة الظروف الصعبة، لافتاً إلى أن تقليص جيش الاحتلال لمساحة ما يزعم أنها "منطقة إنسانية” تسبب بعجز البلدية عن تقديم الخدمات الأساسية، حيث خرجت عدة آبار وخزانات مياه كانت تزود المدينة بـ 60 بالمئة من احتياجاتها المائية عن الخدمة، نظرا لوجودها في المناطق التي طلب الاحتلال إخلاءها.
كتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا” بدوره لفت إلى أن أوامر الإخلاء الجديدة أثرت على المرافق الإنسانية، بما فيها مستودع لبرنامج الغذاء العالمي ما يؤثر على قدرة المنظمة وشركائها في تلقي وإرسال المساعدات، مبيناً أن العديد من النازحين المعنيين بأوامر الإخلاء كانوا قد وصلوا مؤخرا إلى المنطقة بعد أن اتبعوا أوامر إخلاء سابقة.
وأشار المكتب إلى أنه أوفد فريقاً صغيراً على الأرض وقد شهد آلاف الأشخاص ينزحون، العديد منهم من الأطفال والنساء وكانوا يتجهون نحو دير البلح دون وجهة واضحة، حيث اضطروا مرة أخرى إلى مغادرة أحيائهم على عجل ولم يعد لديهم مكان يذهبون إليه في خضم الموت والدمار.
المجلس الوطني الفلسطيني حذر من قيام الاحتلال بتقليص "المنطقة الإنسانية” المزعومة ومحاصرة أكثر من مليون فلسطيني في مساحة لا تتجاوز 20 كيلومتراً دون وجود ما يحميهم من الصواريخ والقنابل وقذائف المدافع ورصاص الطائرات المسيرة التي تطلق الرصاص دون توقف على الخيام والنازحين في العراء، مؤكداً أن إجبار الأهالي على النزوح المستمر في القطاع تعذيب نفسي وجسدي واقتصادي يثقل كاهلهم، حيث إنهم لا يملكون قوت يومهم وعاجزون عن توفير أبسط متطلبات العيش.
ووجه المجلس نداء إلى العالم بإنقاذ أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع من خطر الإبادة والتطهير العرقي والحصار والتجويع والقتل بالأوبئة، وخاصة شلل الأطفال والكبد الوبائي، مناشدا بالضغط لإيقاف تصدير السلاح إلى كيان الاحتلال وفرض عقوبات عليه لوقف نزيف الدم والمجازر اليومية التي يرتكبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكالات