2024-11-07 - الخميس
10 شهداء في يومين بعدوان متواصل للاحتلال على الضفة nayrouz زخات مطرية وتحذير من الضباب صباح الخميس nayrouz من هم العرب الذين تتآمر عليهم إسرائيل وإيران؟ nayrouz تفسير حلم خروج البراز من الفم "لابن سيرين" nayrouz رجل الأعمال عماد الشملان يدعم نادي ام القطين nayrouz وأنت في المنزل .. نصائح سحرية لعلاج نزلات البرد والإنفلونزا في الشتاء nayrouz محلل قناة الجزيرة ينعي ‘‘أبوعبيدة’’ ويثير جدلًا واسعًا!! nayrouz غزة تطيح بالمرشحة الديمقراطية ” كامالا هاريس ” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية nayrouz محمد بن سلمان.. أول زعيم عربي يجري اتصالا هاتفيا بـ ”ترامب” عقب فوزه التاريخي بانتخابات الرئاسة الأمريكية nayrouz أول تعليق إيراني على فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية nayrouz وفيات الأردن اليوم الخميس 7-11-2024 nayrouz الأمم المتحدة: انتهاء حملة التلقيح ضد شلل الأطفال في غزة nayrouz أنشطة متنوعة بمراكز شبابية بمحافظة إربد nayrouz التعمري والنعيمات ضمن تشكيلة الأردن لمواجهتي العراق والكويت nayrouz الملك يهنئ هاتفيا الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب nayrouz متصرف لواء الموقر يزور بلدية قضاء الرجم الشامي ويتفقد عددا من المشاريع nayrouz الحسين إربد يكشف عن إصابة عارف الحاج nayrouz العميد ينال الجازي يرعى ببطولات الامن العام الرياضية nayrouz الشيخ نايف محمد دهيمش أبو ريشة: مسيرة حافلة في خدمة شفا بدران وعشائرها nayrouz اختتام منافسات الأسبوع الثامن من دوري الدرجة الأولى nayrouz
وفيات الأردن اليوم الخميس 7-11-2024 nayrouz وفاة المحافظ السابق عارف ارشيد مرشود العظامات nayrouz الحاجه رقية زوجة احمد عيسى جبر في ذمة الله nayrouz وفيات الأردن اليوم الأربعاء 6-11-2024 nayrouz الحاج هاني محمود ابو حويطي في ذمة الله nayrouz وزير التربية يقدم واجب العزاء بالطالبين في زرقاء ماعين nayrouz عشيرة العنبر الجبور تنعى الأستاذ عوض الطعاني nayrouz وفاة المختار "محمد شافع عايد الحسين المنيزل " ابو ليث" nayrouz وفيات الأردن اليوم الثلاثاء 5-11-2024 nayrouz وفاة الحاجة جليلة حلمي مفلح الدعجه nayrouz وفيات الأردن اليوم الإثنين 4-11-2024 nayrouz والدة حماد جايز الخضر الشموط في ذمة الله nayrouz وفاة محمود محمد المعايطة "ابو مجدي" nayrouz وفاة الحاجة عائشه محمد" بني ياسين" ام خالد والدة الزميل مامون بني ياسين nayrouz وفاة الحاجة سالمة موسى الأحمد العيسى " أم علي " nayrouz القاضي يعزي أسرة " آل غالب " الأشراف بوفاة كبيرهم الشريف صادق بن رفيق آل غالب nayrouz وفاة الشاب معاوية الرشيدات بعد إصابته بجلطة حادة nayrouz وفيات الأردن اليوم الأحد 3-11-2024 nayrouz وفاة الحاج محمد عقيلان الشقيرات nayrouz عشائر الجبور عامةو الغيالين خاصة يشكرون كل من واساهم بوفاة الحاج سليم هلال الغيالين (أبو محمد) nayrouz

غروب الشمس في رمّ

{clean_title}
نيروز الإخبارية :



بقلم المؤرخ والمفكر د احمد عويدي العبادي " أبو البشر ونمي"


السبت: 16/9/2006 + الاحد 17/9/2006
وادي رم / ارم ذات العماد
(386)(ح14) 5 :  بوابة وادي رم ونقطة حدود قديمة جديدة: -
(387) غادرنا الغال وسلكنا  الطريق الرئيس، بينما كان ولدنا البشر يقود سيارتنا التي جئنا بها إلى هنا، أما أنا فكنت في سيارة أخرى يملكها ويقودها عبد المنعم عوض المراعية الحويطات، وهو شاب رشيق مهذب، ذكي قليل الكلام، يفهم ما نريده بسرعة كبيرة، ويعرف ماذا يريد هو ، ويعرف المنطقة بالشبر؛ لأنه تربى بها، وتجول بها مئات المرات، ويتمتع بذكاء بدوي فطري، يفهم بسرعة ولديه قدرة اتخاذ القرار  بدون تردد  أيضا .
(388) مررنا بالمنيشير، باتجاه الديسة، والمنيشير قرية من قرى عشيرة الزوايدة الكرام، ولا زالت محدودة الحجم وفيها مدرسة، وكان الوقت عصراً، فنظرت إلى جبال رم من حولي، وإذا بها تستجمُّ وتستحمَّ بأشعة الشمس، إنها جبال أصبحت عارية من الأشجار،  لكنها مكسوة بستائر الشرف الأردني والكرامة العربية الأردنية. 
(389) إنها جبال جرداء، لكنها وارفة الظلال بالحنان والانتماء والعطاء، إنها جبال تقابل بعضها بعضاً، وتناجي بعضها بعضا، بعد ان عزّ القطين ( السكان )، وتتزاحم في ميناء وامواج من الوديان والرمال، وكأنها الجواري المنشئات في البحر كالأعلام،  تتزاحم لتفريغ حمولتها من الحنان والعطاء لأهل البلاد،  الذين حُرِموا من هذه العطاء، فسرقه غيرهم  يا غيرة الله ، يا حسرتاه، ولكن ارجو الله ان يكون الى حين من الدهر، ولن يقبله الجيل القادم والأيام بيننا 
(390) كان من ضمن هذه السلسلة جبل عجيب غريب الشكل اردني الهوى والتاريخ والهوية، تلتصق في سفوحه عموديا سبعة أعمدة تمتد واقفة من ذؤابة رأسه إلى أخمص قدميه. والتي استعار لورنس العرب منها عنوان كتابه: 
(391)أعمدة الحكمة السبعة (Seven Pillars of Wisdom).وهو الكتاب الذي قرأته شخصيا باللغتين العربية والإنجليزية والمملوء بالأكاذيب، التي يدعي فيها انه  بطل الابطال وهو جاسوس الانذال، وسقط الرجال ويتفاخر انه شاذ، ويصور الأردنيين انهم وحوش، وهم النشامى اهل الحضارة والأخلاق والعفة والشهامة، ويدعي  انه حرر العقبة ونحن نعرف ان الذي حررها هم الحويطات بقيادة الشيخ عودة أبو تايه وزعل أبو تايه . ونعرف ان لورنس كان جاسوسا انجليزيا لخدمة الإنجليزي وسرقة انجازات الأردنيين باسمه 
(392)نعود   ونقول اننا نشاهد  جبلا  من الحكمة وأعمدتها السبعة، ولكن هذه الحكمة كانت تحت رقابة وحراسة تل آخر يعلو التلال جميعاً، وتراقبها بعين الحيطة والحذر والأمن والرعاية. مما جعلني أتخيل أن الأمم البائدة التي عاشت أو تجولت هنا، لا بد واتخذت هذا الجبل العالي القريب من جبل أعمدة الحكمة السبعة، أقول لا بد واتخذته شاخصاً أو معبراً أو معبوداً، أو مقدساً يتبركون به، 
(393)ولا بد أنهم اعتبروا جبل الأعمدة السبعة أنه منبع  الحكمة، والالهام الروحي، وأن هذه التسمية بقيت متداولة عبر الأجداد والأحفاد، منذ الحوريين، إلى أن وصلت زمن لورنس العرب في مطلع القرن العشرين، فأخبروه أن هذا هو جبل أعمدة الحكمة السبعة،
(394) فالتقطها لورنس واتخذها عنوانا لكتابه، دون ان يشير الى اصلها الأردني، وحَسِبَها الناس في العالم انها جملة من اختراعه وعبقريته ، وهي اختراع اردني منسوب الى جبل عليه هذه الاعمدة التي رايتها بأم عيني، وهو يحمل الاسم منذ اكثر من 14000 سنة،  أي منذ زمن المملكة الأردنية الحورية 
(395) .لا يعرف العالم أنه حتى الجبل الأصم في الأردن،  يُعلّم أهل العلم مزيداً من العلم ، ويُعلِّم أهل الحكمة مزيدا  من الحكمة ، وأهل السياسية مزيداً من السياسة، واهل الصبر مزيدا من الصبر، واهل الاخلاق مزيدا من الاخلاق، فكل شيء في الأردن مدرسة قبل ان تلوث تربتها اقدام الدخلاء والزوائد الدودية، ومفرزات وصنائع  الاستعمار البريطاني 
(396) ولا يعرف العالم أن واحداً من أشهر عناوين الكتب في العالم، ومن اكثرها مبيعا، ومترجما الى عدة لغات منها العربية وهو : أعمدة الحكمة السبعة الذي كتبه لورنس العرب، مأخوذ من اسم جبل اردني في رم، لا يعرفه الا اهله، ولم يتحدث عنه اللص الجاسوس الشاذ لورنس، ولم يكن امينا في النقل، وتغاضى عن القول انه اسم لاحد الجبال الأردنية، وهي المرة الأولى التي نجد شيئا مكتوبا عن هذا الجبل، وهو ما نكتبه الان في هذا السياق   
(397)وانه ايضا مقولة أردنية بدوية لأهل الديار التي ورثوها أباً عن جد ، هؤلاء الأردنيون الذين أَنِسُوا حر الشمس وقرّ الشتاء،  ولكنهم حافظوا على حريتهم وعضُّوا عليها بالنواجذ  ، واثروا ذلك كله  على العيش في كنف العبودية للآخرين في أي موقع آخر . إن اسمه: جبل شرخ، واسمه ايضا: جبل أعمدة الحكمة السبعة. 
(398)  تساءلت في نفسي، هل أن الأشعة تأخذ لونها الحريري من هذه الجبال الأردنية الرائعة، وصخورها ورمالها، أم العكس؟ ولكان حركة الشمس وثبات الجبال وصمودها، يجعلني أرى أن الثابت الصابر والمثابر المرابط وهي الجبال، هو الذي يعطي العابر  وهي الشمس، ويتكرم عليها ويكرمها فالأردنيون يكرمون الضيف، ولكن للأسف صار للضيف سيف، ومدّ يده على الخرج وسرقه، واخذ الجمل بما حمل ( كما نقول بالأردني ) , .
(399) لقد تزاحمت الجبال، بينما أشعة الشمس تحنو عليها، وإذا بها تطاول الشمس، فولدت الحكمة من تزاوج الشمس والأرض معاً، من تزاوج الضياء والبيداء، من تمازج الصفاء  مع النقاء،  وكانت هذه الأعمدة السبعة في الجبل، التي تربط بين الأرض وما علاها، لتكون أوتاداً لهذا الجبل، مثلما هي الجبال أوتادا لهذه الأرض،
(400) أقول لقد كانت هذه الاعمدة السبعة تشكل خيوط وَصْل الحب والحكمة بين جبال وادي رم وشمس السماء الأردنية. سبعة اعمدة في جبل شرخsharkh او جبل اعمدة الحكمة السبعة، وفيه تبدو لغة الصمت ناطقة بلا حروف ولا صوت، ناطقة للتاريخ والحكمة والالتصاق بأرض الاردن. 
(401)ولا ننسى ان الشمس كانت احدى معبودات  أهل هذه  الديار في مراحل تاريخية موغلة في القدم، ومنها مملكة سبأ الشمال الأردنية التي أشار القران الكريم اليها في سورة النمل انهم كانوا يعبدون الشمس ( وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) سورة النمل 
(402) هذه هي الهواجس والخواطر التي كانت تختلجني وأنا في السيارة، حتى إذا ما وقفنا ثانية عند الديسة لإبقاء سيارة ولدنا البشر هناك، وليركب هو ورفاقه  معنا، تقدم مني البشر قائلاً: الآن فهمت لماذا تحب الأردن. فقلت: وسوف تعرف لماذا أحب الأردنيين.
(403) قال البشر : أعرف، ولكن الأردن الذي أراه هو مصدر الإلهام السحري الذي يعجز عنه اللسان والبيان. إنها أرض الله المجتباه التي تجعل شخصاً مثلك شاعراً وأديباً وفيلسوفاً. يا إلهي ما أجمل الأردن، 
(404)قلت لولدي: هل رأيت جبل الأعمدة السبعة؟ فقال: بل رأيت أعمدة الحكمة السبعة، رأيت الجبال السبعة والأعمدة السبعة، والحكمة التي ليس لها عدد ولا يتوقف عنها مدد. قلت: هل أنت نادم على مرافقتي؟ قال: معاذ الله،  لقد غرستَ في درساً جديداً في حب الأردن والأردنيين، يا إلهي ما أروع الأردن، وما أروع الأردنيين. 
(405)قلت لولدي: ستذكر هذه الأيام في قابل عمرك أطال الله عمرك، وعندما تعود ستبكي على التغيير السلبي الذي تجريه الجهات الرسمية من اللئام، على هذه الأرض وتضايق به أهلها الكرام .
(406)  قال البشر: للأردن رب يحميه، وللديسة أهل يحمونها ومعهم الأردنيون. فقلت له: لا يكون ذلك إلا بالفكر الوطني والتكاتف الوطني والتنظيم الوطني ، ولكن لست أدرى متى يكون. الله وحده يعلم. اجابني بقوله : إن الشخص وحده مهما بلغ من القوة والعبقرية لن يكون قادراً أن يفعل شيئاً وطنياً إلا إذا قدم فكراً وطنياً، فالفكر هو البذرة التي اذا زرعتها تصبح شجرة ثم تصبح الشجرةُ غابة . 
(407)وهنا رن جرس الهاتف النقال خاصة البشر. كان ولدنا الطبيب  د . نمي يحفظه الله ويرعاه، على الخط من المانيا يريد الاطمئنان علينا ويستفسر ان كان بالإمكان محادثتي،  لأنه يعرف انني عندما أغرق في لحظات التجلي في حب الاردن، اعيش حالة روحية قد تبتعد كثيرا عن الواقع الذي اعيشه
(408) كلمني ولدي نمي وسألته عن دراسته وامتحاناته، فبشرني مطمئنا اياي  انه خرج توا من الامتحان،  وانه أبدع فيه وحصل على علامة عالية والحمد لله، وكان في مادة التشريح لأنه يدرس الطب هناك  .
(409) طلب الي  تصوير الرحلة وتزويده بنسخة عن الصور وكذلك كان، لان مهمة التصوير كانت مسندة للبشر الذي يتقن التعامل مع التقنيات الحديثة باحتراف متفوق ومتميز، وانا متفرغ لكتابة الرحلة. كلمتني ام البشر ايضا وطمأنتها اننا بخير والحمد لله، وكذلك بناتي العرين والزهراء واية. لقد سعدت حقا وانا أجد الاسرة معي في الديسة واسمع اصواتهم جميعا والحمد لله  
(410) وانطقنا من الديسة في سيارة الأخ عبد المنعم عوض المراعية التي كان يقودها بنفسه، وهي عالية حديثة مكيفة مؤهلة للسير على الرمال، والنتوءات العالية. كانت الديسة قابعة في حضن الجبل كالوليد الأصيل في حضن أمه الرؤوم، وكالفارس الشجاع الذي يتربص بالأعداء، وكالغزال الجميل الذي يجد ملاذاً آمناً، وظلاً ظليلاً في أفياء غابةٍ غناء، ولكنها من الجبال الشماء. 
(411)عندما تحركتُ نحو سيارة عبد المعطي، كان جبل أعمدة الحكمة السبعة لازال مطبوعاً في مخيلتي، وكان الجبل العالي يرتفع كثيراً في خيالي الذي لا يحده إلا السماء. وتساءلت في نفسي : ترى كم من أضحية في الزمن الوثني قدمها الأردنيون في غابر الأزمان عند أقدام جبل الحكمة،  أو في رأس ذلك الجبل الأشم؟ ترى كم من نذر نذروه واقترن بالحكمة أو الطود الشامخ؟
(412) لو أن حفريات تمت تحت الأقدام أو فوق القمة، ماذا سيجدون؟ هل سيجدون معادن قديمة، أو آثار معادن أو مذابح وثنية، حملها الريح أو حمل إليها الرمال وغطتها على عمق سحيق ؟ 
(413)هل سيجدون موقع مراقبة ومرصد فلكي قديم، ووسيلة لإعلام الناس بقدوم أي خطر؟ او بتغير الفصول او حركة الكواكب والانواء ؟ هل سيجدون معبداً للشمس أو للقمر أو للنجوم او  للريح ؟ هل سيجدون معبداً للجن أو الأرواح؟ كل الاحتمالات مفتوحة، بما فيها احتمال عدم العثور على اي شيء.
(414)ولكن شيئاً واحداً ثابت الأركان قوي البنيان، وهو أن هذا هو جبل أعمدة الحكمة السبعة. ونلاحظ هنا الرقم سبعة، وهو مهم في الامة الثمودية الأردنية العربية أصلا، ولا بد أن حكماء القوم والقضاة كانوا يجتمعون هنا ، ربما لكل قبيلة أو حكيم أو قاضي عمود أو فرجة بين العمود والآخر. ربما ربطوا الرقم " 7 " مع السموات السبع، والأرضين السبع، واسم الأسد " السبع " واسم الوحش " السبع " واسم الطير الجارح " السبع – سباع الطير وسباع الوحش " واسم الرجل الشجاع ( السبع) .
(415) قلت لولدي ورفاقنا :  مثلما سرنا على هذه الرمال ولم نترك أثراً سار الكثير قبلنا، وسوف يسير الكثير بعدنا . ولكن هذه الجبال، وهؤلاء الرجال، وهذه الطبيعة الساحرة وهذه الرمال،  تركت فينا أثراً خالداً، ألا وهو هذه القصة التي نحن بصدد كتابتها، وهذه الرحلة التي نحن بصدد تدوينها، وهي التي ستقول للرمال : على رسلكم، فان القلم خلّد من مرّ وكتب .
(416) كل جبل له حكاية، وكل وادٍ له حكاية، وبين ثناياها جميعاً خفتت الأنات والصيحات، والثغاء والرغاء والعواء والنهيق والزعيق والنعيق،  وصدح  الحِداء، وتلاشى صوت الحادي، وتبخرت صور الجيوش العابرة، والأمم الغابرة، واختفت الدول الغازية ونقيع غبارها، ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) سورة مريم 
(417)وكلها تحاكي شيئاً واحداً، لقد ذهبت وسادت ثم بادت، واعتلَت، ثم اعْتلَّت،  وبقي الأردن، واندثرت وتبخرت وبقي الأردن، وماتت وهلكت وعاش الأردن، وتلاشت وبقي الأردن، وسينتهي الغرباء ويبقى الأردن لأهله عاجلا ام اجلا، فكما ان الناس تطلب ديارها، فان الديار تطلب أهلها، وهو مثل اردني نصُّه ( الديرة طلبت أهلها) 
(418)وغابت وظهر الأردن، وتآكلت وتجدد الأردن، وافترشت القبور، وبقي الأردن في السطور والرؤوس  والصدور، وراحت تلك تحت الغامر، وبقي الأردن فوق العامر. إنها الحياة. ولكن رحلتنا في الأردن السعيد، ستبقى تردد مقولة الأمم السابقة المنتمية لهذه الأرض، والتي كررها عرار شاعر الأردن الأول بقوله: 
يا أخت رم، وكيف رم، وكيف حال بني عطية؟, 
 هل ما تزال جبالهم شمّاً وديرتهم عذيّة.
سُقيا لعهدك والحياة كما نؤملها رضيه
وتلاع وادي اليتم ضاحكة وتربته غنيه
وسفوح شيحان الأغن بكل يانعة سخية
أيام لم يك للفرنجة في ربوعك أسبقية
والعلج ما انتصبت له في كل مومات ثنيه
(419)أما الجواب لعرار، فإنه في بيتين من الشعر البدوي لابن روق من بني حسن، إذ يقول وهو " جلوي " بسبب ذبحه لأحد أقاربه: يقول ما تقوله الان: الديسة ورم وهذه الديرة العزيزة: 
لن سائلك عني من الحي حسّاد    قل له شديد الحيل عالمعنقيّه.
ولن سائلك عني من الحي ودَّاد     قله كفاك الشر حالي زريه
(420)صحيح أن اهل الديرة هنا من الأدب والذوق والقناعة ، بحيث يحمدون الله حتى على المكروه السياسي الذي يلاحقهم من زاوية إلى أخرى، ولكنني أقرأ الحقيقة في الوجوه والعيون، فإن أردنياً بدوياً مثلي خبير بأهله الأردنيين، لا يعييه معرفة الحقيقة، ومعرفة الصامت والشامت، حتى ولو كانت الكلمات تتحدث عن أمور أخرى ونسميه بالأردني (ضرب شْحاوات / أي اياك اعني وافهمي يا جارة ) .
(421) ركبنا السيارة ومعنا الملازم صالح الزوايدة، وكان لدى السائق عبد المنعم مسجّل وأغاني شعبية أردنية (جنوبية) ومن جزيرة العرب، وهي الألحان التي تجد أذاناً طروبة لها، فضلاً عن أنها موسيقى  جميلة كجَمال الرمال والجبال، والصحراء والنقاء، إنها أنغام التاريخ العريق العميق، التي تعزف على أوتار قلوب المحبين للأردن، وإني وولدي البشر  ورفاقنا من  هؤلاء المحبين.
(422) كان أديم الأرض مزيجاً من الظلال الناعسة، والأشعة الناعمة، حيث لا زالت الشمس تشرق على أجزاء من الأرض، بينما تسلل الظل إلى أجزاء أخرى، ليفصح عن جبال شاهقة تمتد بكرامتها وكرمها على الرمال التي دنّستها أقدام الغرباء والمحتلين عبر التاريخ، 
(423)ولكن أقدامهم زلّت بهم إلى الهلاك والتلاشي، ولن يكون نصيب الغرباء والمحتلين في عصرنا هذا أحسن حالاً مما آل إليه من سبقهم من الشعوب المارقة والغارقة.
(424)لم تكن الحركة السياحية على ما يرام بسبب عملية القتل الذي وقعت في عمان قبل أسابيع في المدرج العموني بعمان، حيث ألغيت الحجوزات من الخارج خشية على حياتهم، ولم يبق من أحد سواء في مخيمات الصحراء أو في الآثار.
(425) وانعكس ذلك على أهلنا في هذه الديار الذين يعتمدون في حياتهم الرئيسة على تقديم الخدمات المحترمة العفيفة للسياح من الأجانب، ذلك أنه لا يوجد برنامج توعية لتشجيع السياحة الداخلية للأسف الشديد،
(426) لأن المخطط الواضح كما يبدو، ان الجهات الرسمية لا تريد لأهل البلاد أن يعرفون بلدهم الأردن، ولا يريدون الاختلاط بين الأردنيين، يريدون عزلنا عن بعضنا البعض، وهي سياسة ناجحة إلى حدّ كبير إلى الآن للأسف الشديد،
(427) ولكن لن يستمر نجاحها الى وقت طويل بعونه الله تعالى، فالصحوة تنتشر بين الأردنيين بسرعة تفوق إجراءات النهب والسلب .

(428)انتهت (ح14) وتليها ( ح15) بعون الله تعالى وهي عن الدخول الى وادي رم..