يبدو أن ساعة الحقيقة دقّت. إسرائيل كشفت عن وجهها الحقيقي الذي نعرفه، والأردن أدرك تمامًا أن المواجهة السياسية (المفاصلة: أدق) قاب قوسين أو أدنى.
الوقائع كلها تشير إلى ذلك: هيمنة اليمين الصهيوني المتطرف على زمام السلطة والمعارضة والدولة العميقة أيضًا. ما حدث بعد 7 أكتوبر من انكشافات في محيطنا العربي، قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، إعادة انتخاب نتنياهو في منتصف العام الحالي وتتويجه (زعيمًا تاريخيًا)، الأعمق من هذه الظروف والمستجدات السياسية، أننا أمام مشروع صهيوني اكتمل تمامًا، لا يستهدف فلسطين وحدها، وإنما الأردن والمنطقة كلها أيضًا، وحان وقت تنفيذه بأسرع مما نتصور.
إذا صحّ ذلك، وهو بتقديري صحيح، فإن السؤال عن خياراتنا تجاه هذا التطور التاريخي الذي يشكل تهديدًا لوجودنا، أصبح بحاجة إلى إجابات واقعية وحاسمة، تتجاوز ما ألفناه من مناورات سياسية، أو محاولات للتكيف مع الوقائع، أو تأجيل التعامل معها بانتظار أي مستجدات أو مفاجآت. أقصد هنا أنه لا خيار لنا سوى المواجهة، بما نملكه من أوراق سياسية، وإمكانيات وطنية، واستعدادات لأسوأ السيناريوهات وأصعب الظروف. في هذا السياق، أول ما يجب أن نفكر فيه هو أن نتحرر من حالة الإحساس بالضعف أو العجز وعدم القدرة التي يروج لها البعض، وتتبناها بعض التيارات داخل بلدنا وخارجه. نحن، الأردنيين، الدولة والمجتمع معًا، نمتلك كل ما يلزم من مقومات للمواجهة. تاريخنا يشهد على ذلك، واستدعاؤه ضروري لرفع الهمة وإحياء الروح الوطنية، لكن الأهم هو الترجمة العملية، أعني البدء فورًا بخطوات جادة لحسم العلاقة مع "تل أبيب" باتجاه مصلحتنا الوطنية العليا. هذا يقتضي أن تتوافق قرارات الدولة مع إرادة المجتمع، لإفراز مشروع وطني لمواجهة العدوان، وتحشيد ما لدينا من طاقات لأجل ذلك.
أول عناوين هذا المشروع هو بناء "مجتمع المواجهة" الذي يستند إلى سرديات مقنعة ومؤثرة، ترتكز على جبهة وطنية موحدة وقوية، وتفرز من الأردنيين أفضل ما لديهم من مواقف تجاه دولتهم. هذا ليس عملًا سهلًا يتم بكبسة زر، خاصة وأن حالة مجتمعنا أصبحت صعبة، وعلاقاته مع مؤسساته ليست كما يجب، مما يستلزم إجراء مراجعات (هل أقول عمليات جراحية عاجلة؟) للوضع القائم، وصولًا إلى صفحة جديدة بيضاء تجمع الأردنيين وتوحدهم للدفاع عن بلدهم.
أقوى "ورقة" يمكن الاعتماد عليها، في غياب العمق العربي، وانكشاف ظهورنا، وتراكم أخطائنا في المرحلة السابقة، وانشغال العالم عن تقديم ما ننتظره من دعم لنا، هي ورقة "نحن". فكما فعلنا تمامًا في "الكرامة المعركة"، يمكن أن نفعل في "الكرامة المشروع" للمواجهة الآن. هذا يحتاج من إدارات الدولة أن تغير سلوكها تجاه المجتمع، ابتداءً من "تصفير" الأزمات الداخلية، وترسيم العلاقة بين المواطنين ومؤسساتهم، وصولًا لاستعادة الثقة بينهم، ثم مشاركتهم في تحمل مسؤوليات ما يصدر من قرارات، سواء أكانت في سياق مراجعة الماضي، وما جرى على صعيد العلاقة مع تل أبيب، أو ما سوف يجري مستقبلًا.