رحل عيد الفايز ، رحل الأسمر المهيوب ، وكأن سميرة توفيق حين غنت هذه المقطوعه : ( أسمر يا شب المهيوب) كأنها كانت تدرك أنها كتبت في عيد وحده .
عيد لم يتتبع الليبرالية ولم يتتبع نشأتها وروادها ، لكنه كان ليبراليا بالمعنى الحقيقي حين تسلم وزارة الداخلية ، كان ليبراليا اكثر من كل ( التشذابين ) في بلدنا والذين ادعوها ، وروجوا لها .
في المعارك الصحفية التي خضتها وقف معي ، ظالما أو مظلوما ، ولا أتذكر انه سلم علي باليد ، كان يحتضنني دوما.
فقدنا الشاب الأسمر المهيوب ، فقدنا الذي قال عنه تيسير السبول : بدويا خطت الصحراء لاجدوى خطاه ... عيد لم يترك في الرمل خطاه فقط ، لكنه ترك وجهه ودماثة خلقه ، في قلب كل من عرفه..
آخر مرة التقينا في الفحيص ، وأصر أن أسرد الرواية التي قلتها له عن نشأة الأردن إلى سند ابنه ، واتفقنا أنا وسند على اللقاء .. أنا تأخرت وسند غاب ، ولم نحقق غايته في أن يستمع سند للرواية .
سنفتقدك أيها الحبيب .
أيها الأسمر الذي سرق سمرة وجهه ، من حواف الليل التي كانت (البرواز) لنجم سهيل ، سنفتقد الحكايا ، ورائحة السيجار ... والحب الذي يحيط بالمائدة والشيب الجميل الذي طرز الرأس ، واللهجة البدوية ... هي لم تكن لهجته بدوية فقط ، كنت تحس بأنها نغم ربابة ، أو وتر عود .. أو المهباش الذي يطحن القهوة الصهباء للضيوف .
البداوة عند عيد الفايز لم تكن حالة اجتماعية ، كانت حزبا ، وديوان شعر ، وأغنية ... البداوة عند عيد كانت أعمق من هوية وأكثر اتساعا من حدود وطن ...
أيها الأسمر والمهيوب ، عليك الرحمة ...فقد عشت نبيلا طيبا محبا ، وقررت أن تموت على سرير من الكبرياء وتترك خلفك ألف يد تكتب تاريخك ... وأجمل ما في التاريخ أن يكتب بحروف كلها حب ... عليك الرحمة يا مصنع الحب والضمير والحياة ...