تمرّ الذكرى السنوية لوفاة والدي، الشيخ المحامي صالح الشناق، رحمه الله، ولا تزال صورته حاضرة في ذاكرتي، وكلماته محفورة في قلبي، ومواقفه الرفيعة نبراسًا أستنير به في دروبي. ففي مثل هذا اليوم، خفت صوت أبي، ولكن صداه لا يزال يتردد في أركان حياتي.
إن الموت لا يعني الرحيل، فالشمس حين تغيب لا تموت، بل تختبئ خلف الأفق لتشرق من جديد، والقمر حين يغيب يعود ليضيء الليالي. وهكذا كان والدي، غاب بجسده، لكنه باقٍ بروحه، بسيرته، بما تركه من أثر طيب لا يُمحى.
ولد الشيخ صالح الشناق وعاش حياةً عنوانها الإيمان والعلم والعمل. جمع بين هيبة رجل الدين، وحكمة رجل القانون، فكان شيخًا مصلحًا ومحاميًا مدافعًا عن الحق، لا يخاف في الله لومة لائم. حمل في قلبه حب الوطن، وفي عقله عدالة القانون، وفي لسانه صدق الكلمة.
أسّس لمسيرة قانونية وإنسانية نزيهة، دافع فيها عن المظلومين، ووقف فيها إلى جانب الضعفاء، وكان مرجعًا للناس في قضاياهم ومشكلاتهم، فكان بذلك محاميًا للقلوب قبل أن يكون محاميًا في المحاكم.
في حياته، زرع فينا قيم العلم، والأخلاق، والعدالة، والرحمة. علّمني أن العلم رسالة لا تكتمل إلا بخلق رفيع، وأن الكرامة لا تُشترى، بل تُبنى بالمواقف، وأن الخير في أن نكون عونًا للناس، لا عبئًا عليهم.
أبي الحبيب، في ذكراك أقول لك: نستحق أشياء أعمق من الحب، نستحق أن نبكيك فخرًا، ونذكرك شكرًا، ونعيش على دربك التزامًا. رحمك الله يا من كنت بجانبي في كل خطوة، ويا من علمتني أن أكون قوية بالكلمة، نقية بالموقف، صادقة في رسالتي.
سلامٌ عليك يا والدي يوم وُلدت، ويوم رحلت، ويوم نلتقي من جديد. ستبقى في سويداء قلبي إلى الأبد.