لا شيء يرهق الكاتب مثل الحروف التي ترفض الطاعة، تلك اللحظات التي يتملّكك فيها الصمت رغم ازدحام الأفكار، وحين تمسك بالقلم، لا لشيء إلا لتُفرغ ما ينهش صدرك، فتجد أن حتى "حروف الجر" تَجُرُّ نفسها معك بثقلٍ وكأنها تشاركك الحِمل.
لماذا تُصبح الحروف ثقيلة أحيانًا؟ مع أننا نملكها، نُزيّنها، وننحتها كما نشاء؟
لأن الحروف ليست أدوات لغوية فحسب، بل أدوات شعور، ومن لا يشعر لا يكتب، ومن يختنق بالشعور، يختنق بالحروف.
أحيانًا نكتب لنرتاح، فنرتب الفوضى داخلنا، لكن حين تفوق الفوضى طاقة الاحتمال، تصبح الكتابة نفسها عبئًا، ويصبح السطر الأول كجبل لا يُصعد، والفاصلة تنهيدة، والنقطة دمعة.
نكتب كثيرًا حين نكون في عافية القلب، أو حين يكون الجرح طريًا، أما حين يتعمّق الجرح ويستوطن، تصبح الحروف ثقيلة كأنها تُسحب من بئرٍ عميق، كل حرف منها يحتاج نفسًا طويلًا، وروحًا صابرة.
لكننا، رغم كل ذلك، نُحب الحرف، ونُراهن عليه، ونراه رفيقًا، وأحيانًا حبل نجاة. نُحسن الظنّ بالله، ونُحسن الظنّ بالكلمات، ونكتب، وإن بصعوبة، لأننا نعلم أن الكلمة، إن خرجت من قلب صادق، ولو متعثّرة، ستصل.
وما دام فينا بقايا روح! سنحمل الحروف، حتى الثقيلة منها، ونُرتّبها سطرًا بعد سطر، علّها تُضيء ليلًا، أو تواسي قلبًا، أو تُذكّرنا أننا ما زلنا أحياء.