في عالمٍ سريع الخطى، يبدو أن كثيرين ينسون واحدة من أبسط قواعد النجاح: الاستعداد قبل الانطلاق، وقد لخّص العرب هذه القاعدة بحكمة بالغة حين قالوا: "قبل الرماية تُملأ الكنائن." فلم تعد المنافسة مقتصرة على المهارات فحسب، بل أصبحت معركة تحضير وتجهيز ذكي في كل مجال، من أبسط مبادئ التكنولوجيا إلى ريادة الأعمال، ولعلي هنا أجزم أن النجاح يكاد يكون حكرًا على من يخططون جيدًا، لا على من يتحركون بسرعة فقط، ولا مكان إلا لمن يملأون كنائنهم جيدًا قبل الدخول إلى الميدان.
أمثلة من الواقع:
-شركات ناشئة انهارت رغم أفكارها المبهرة، لأنها لم تدرس السوق كما يجب.
-حملات انتخابية خسرت رغم الضجيج الإعلامي، لأنها افتقرت إلى خطط ميدانية واضحة.
-حتى على الصعيد الشخصي، كثيرون يفشلون في تحقيق أهدافهم لأنهم لم يجهزوا أدواتهم الفكرية والعلمية مسبقًا.
هذه الأمثلة تؤكد أن التحضير لم يعد خيارًا، بل ضرورة وجود، ولعلك تتخيل رامياً يذهب إلى ساحة التصويب دون أن يملأ كنانته بالسهام. كم رمية يستطيع أن يطلق؟ واحدة .. وربما بلا إصابة! هذا تمامًا ما يحدث في الحياة؛ من يدخل بلا استعداد معرفي أو مهني أو ذهني، سيخسر أول فرصة، وربما لا يجد الثانية، لأن التحضير المسبق هو الذي يمنح القدرة على التصويب بثقة، وعلى التعامل مع المفاجآت بمرونة.
فلم تعد الكنانة مجرد جراب سهام، بل أصبحت رمزًا لكل ما يحتاجه الإنسان من معرفة دقيقة بالمجال، وخطط مدروسة لكيفية الإنجاز، ومرونة نفسية لتحمّل المتغيرات، وصولاً إلى توفر الأدوات التقنية التي تواكب العصر، وملء هذه "الكنانة" هو الضمانة الحقيقية للوصول إلى الأهداف وتحقيقها.
خلاصة القول، وسط عالمٍ يعج بالسرعة والتحديات، تبرز الحكمة العربية القديمة اليوم أكثر من أي وقت مضى كمرشد لا غنى عنه، "قبل الرماية تُملأ الكنائن." فلا تخطُ أولى خطواتك إلا وقد أعددت عدّتك، ولا تطلق سهمك إلا حين تكون واثقًا أن كنانتك ممتلئة بما يكفي لرحلة طويلة من التحديات والفرص...