رغم الصعوبات الجسيمة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في رحلتهم التعليمية، ورغم الحواجز المادية والاجتماعية والنفسية التي يتجاوزونها بصبر وإصرار، إلا أنّ العديد منهم استطاع أن يحقق النجاح الأكاديمي ويصل إلى مراتب عليا في التعليم، حاملين الماجستير والدكتوراه في مختلف التخصصات. هؤلاء لم يستسلموا لإعاقتهم، بل حولوا التحدي إلى طاقة إيجابية، وكانوا مثالاً للإرادة والقدرة على العطاء.
لكن المفارقة المؤلمة أنّ هذا النجاح لا يقابله إنصاف في الواقع العملي. فبعد سنوات من التعب، وسهر الليالي، والكدّ في طلب العلم، يجد هؤلاء أنفسهم خارج أسوار الجامعات التي طالما حلموا أن يكونوا جزءاً منها كأعضاء هيئة تدريس. القانون – الذي يُفترض أن يكون حامياً لحقوقهم – لم ينصفهم، بل بقي حبراً على ورق.
كيف يُعقل أن يحمل أحدهم شهادة دكتوراه بجدارة، ولا يجد له مكاناً في الجامعات، بينما يتم تعيين آخرين أقل كفاءة أو بلا معاناة مماثلة؟ كيف يُقبل أن يُستبعد الكفاءات العلمية بحجة الإعاقة، في حين أنّهم أثبتوا أنهم قادرون على الإنجاز وربما التفوق على غيرهم؟
أين المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من هذه القضية؟ أليس من واجبه أن يدافع عن هذه الفئة التي كرّست عمرها للعلم والمعرفة؟ أليس من مهامه متابعة تطبيق التشريعات التي تضمن تكافؤ الفرص في التعليم والعمل؟
إنّ هذه الفئة تعبت بما فيه الكفاية، وقدمت كل ما يمكن تقديمه لتثبت أنّ الإعاقة ليست عائقاً أمام التميز والإبداع. والآن يبقى السؤال الكبير: إلى متى سننتظر؟ إلى متى يبقى ملف توظيف الأكاديميين من ذوي الإعاقة مهمشاً في الأدراج؟
إنصاف هذه الفئة ليس منّةً أو فضلاً من أحد، بل هو استحقاق قانوني وإنساني وأخلاقي. فالمجتمعات التي لا تعترف بجهود أبنائها المبدعين، ولا تمنحهم الفرص التي يستحقونها، إنما تخسر طاقات كان يمكن أن تساهم في البناء والتطوير.
إنّ صرخة هؤلاء الأكاديميين من ذوي الإعاقة يجب أن تصل إلى أصحاب القرار، لتترجم إلى خطوات عملية، تفتح أمامهم أبواب الجامعات، وتكسر قيود التهميش والإقصاء. فالعلم الذي تعبوا في تحصيله لا يجوز أن يُدفن في الظل، بل يجب أن يرى النور، وأن يكون منارة لطلابنا ومجتمعنا بأسره