يُعتقد أن وجود أكثر من اسم (محلي ودولي) لبعض الدول يرتبط بمدى التجذر والعمق التاريخي والقِدم الحضاري لتلك الدول، لأن الشعوب التي هي أكثر تواصلاً مع غيرها من شعوب العالم القديم، بمختلف أعراقها ولغاتها، تزيد فرص وجود أكثر من اسم لها تُعرف به بين تلك الشعوب، ومن الأمثلة على ذلك الصين (China دولياً/زونغيو محلياً)، الهند (India دولياً/بهارات محلياً)، اليونان (Greece دولياً/هيلاس محلياً)، مصر (Egypt دولياً/مصر محلياً) . . الخ وهذه كلها حضارات قديمة متجذرة في التاريخ.
اسم (أُردُن) بالضمة فوق الألف المهمزة والضمة فوق الدال والنون المُسكنّة مرتبط ارتباطاً تاريخياً وجغرافياً وحضارياً ودينياً بنهر الأردن، وهو الاسم العربي الدارج الذي تم استخدامه قبل الإسلام وبعده للدلالة على المنطقة الجغرافية الواقعة على ضفاف نهر الأردن، ومعناه "الشدة أو الغلبة" كما يقال بأنه اسم أحد أحفاد سيدنا نوح عليه السلام، وفي العهد القديم ورد اسم الأردن بلفظ (يَردِن/Yarden) وتعني المنحدر أو الجاري للأسفل في وصف نهر الأردن، وفي العربية يقال (يَرد الماء) أي يذهب إليه، أما أسم الأردن المتعارف عليه دولياً (Jordan) فهو مشتق من اللفظ الإغريقي (إيوردانيس/Iordanes) ونقله عنهم الرومان بلفظ (جوردانيس/Jordanis)، ومن الملاحظ أن الفرق بسيط بين اللفظ العربي للاسم واللفظ الأوروبي (أُردُن /Jordan)، على عكس مصر على، سبيل المثال، حيث البون شاسع بين اللفظ العربي (مصر) واللفظ الأوروبي (Egypt)، مع العلم بأن أسماؤهما (الأردن ومصر) موثقة منذ العصور القديمة (آلاف السنين) تقريباً بنفس اللفظ والمعنى حتى اليوم، كما أن لهما "عمق اسمي" استثنائي، لأن اسميهما ارتبطا بجغرافيا محددة وذكرا في النصوص المقدسة منذ آلاف السنين.
إن اسم (أُردُن/Jordan) ليس اسماً استعمارياً أو حديثاً بل هو اسم ضارب في عمق التاريخ، فقد تم ذكر أسم (أُردُن/Jordan) في الكتاب المقدس أكثر من (180) مرة باعتبار أنه منطقة جغرافية دينية مرتبطة بالتعميد، وهو مذكور في العهد القديم، وقد حافظ على نفس المعنى والصيغة تقريباً 3000 سنة، كون أنه مرتبط بجغرافيا مقدسة ومعروفة عالمياً، والنصوص الدينية أعطت الاسم عمقاً دينياً وروحياً عالمياً، وهو ما جعل أسم (أُردُن/Jordan) معروف حتى في اللغات الأوروبية منذ قرون طويلة وبشكل مستمر حتى اليوم.
تم ذكر الأردن في التاريخ الإسلامي في عدة مواضع، فقد ورد في أمهات التفاسير، حيث جاء في (تفسير القرآن العظيم) لإبن كثير (774 هـ/1372م) للآية التاسعة من سور (يس):
قال محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب قال، قال أبو جهل وهم جلوس إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه، كنتم ملوكاً، فإذا متم، بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم جنان خير من جنان (الأردن)، وأنكم إن خالفتموه، كان لكم منه ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم نار تعذبون بها. وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وفي يده حفنة من تراب، وقد أخذ الله تعالى على أعينهم دونه، فجعل يذرها على رؤوسهم ويقرأ { يسۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } ــــ حتى انتهى إلى قوله تعالى {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}.
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {حوضي من عدن إلى (عمان البلقاء)، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأكاوبه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، أول الناس وروداً فقراء المهاجرين، الشعث رؤوساً الدنس ثياباً، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا يفتح لهم السدد}. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني
وعندما فتح الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام (13هـ/634م) قام بتقسيمها إلى خمسة أجناد هي، جند فلسطين وجند (الأردن) وجند دمشق وجند حمص وجند قنسرين، والجُند كان إقليم عسكري وإداري في نفس الوقت.
ومن الأبيات المشهورة في مدح أهل الأردن ونفيرهم إلى الحرب قول الشاعر كثير عزة (سنة 64ه/683م):
إذا قيل خيل الله يوماً ألا اركبي * رضيت بكف (الأردني) انسحالها
و"خيل الله اركبي" دلالة على النفير العام حيث ورد أن قتادة قال فيما رواه ابن عائذ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يومئذ مناديا ينادي "يا خيل الله اركبي" وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن في الناس : "من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة ".
وقال الشاعر عدي بن الرقاع العاملي (95ه/714م) في مدح أهل الأردن ودورهم في بناء الدولة مع الخليفة الأموي مروان بن الحكم في واقعة مرج راهط:
لولا الإله وأهل (الأردن) اقتسمت * نار الجماعة يوم المرج نيرانا
وقال الشاعر أبو دهلب أحد بني ربيعة ابن قريع بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم (143 هـ/761م) في وصف ناقته:
حنّت قلوصي أمس (بالأردن) * حنّي فما ظلمت أن تحنّي
حنّت بأعلى صوتها المرنّ * في خرعب أجشّ مستجنّ
كما قال الشاعر العباسي ابراهيم بن يحي اليزيدي (225ه/839م) متغزلاً:
ماذا بقلبي من دوام الخفق * إذا رأيت لمعان البرق
من قِبل (الأردن) أو دمشق * لأن أهوى بذاك الأفق
ذاك الذي يملك مني رقّي * ولست أبغي ما حييت عتقي
وقد مدح الشاعر أبو الطيب المتنبي (303ه/915م) الوالي بدر بن عمار والي ثغور الأردن قائلاً:
تهنّا بصور أم نهنئها بكَ * وقلّ الذي صور وأنت له لكَ
وما صغر (الأردن) والساحل الذي * حبيت به إلا إلى جنب قدركَ
تحاسدت البلدان حتى لو أنها * نفوس لسار الشرق والغرب نحوكَ
ولو أنه ذو مقلة وفم بكى * وأصبح مصر لا تكون أميره
كما كل دول العالم القديم التي تغيرت جغرافيتها بمرور الزمن، فتم إضافة أجزاء جديدة إليها أو تم اقتطاع أجزاء منها، كذلك التعريف الجغرافي للأردن الذي تغير حسب المراحل التاريخية المختلفة، فجُند الأردن مثلاً شملت مناطق شمال الأردن وشمال فلسطين والجولان وكانت عاصمته طبريا، ولا شك بأن أهم محدد للهوية الوطنية هي الجغرافيا، فوقوع الأردن على مفترق الطرق بين قارات العالم القديم (آسيا، افريقيا، أوروبا)أكسبه أهمية استراتيجية، والهوية الأردنية اليوم هي وليدة تلك الجغرافية ذات الجذور التاريخية والحضارية الضاربة في عمق التاريخ، فارتباط الأردن بالكتاب المقدس منذ العصور القديمة أعطاه عمقاً تاريخياً، وممالك العمونيون والمؤابيون والأدوميون والأنباط أسست لحضارة وهوية محلية قبل الإسلام، ثم جاء العصر الإسلامي وتم إنشاء جُند الأردن الذي أعطى الأردن بعداً إدارياً وعسكرياً مرتبطاً بالهوية العربية الإسلامية، وفي العصر الحديث تأسست المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946م لتحدد السيادة والسياسة الخاصة بالأردن، وبالقيادة الهاشمية تعززت الوحدة الوطنية والاستمرارية التاريخية وتم وضع أساس الدولة، ثم جاء الدستور الأردني ليضع الأساس القانوني للهوية الوطنية المستقلة المرتكزة على العروبة والدين والتعايش والقيم الاجتماعية من الشرف والكرامة والأعراف المتجذرة في الأردنيين.