يُحكى أن "أليس" لم تسقط هذه المرّة في جحر الأرنب لتدخل بلاد العجائب، بل وجدت نفسها في مدينة مكتملة الملامح، لكنّها غريبة في جوهرها، مدينة مبنية على التناقض، يملأ شوارعها الضجيج والإزدحام، لكنّ القلوب فيها خاوية من الصدق، وهنا لا يُقاس الإنسان بقيمته، بل بقدرته على التلوّن والتسلق، ولا يعلو الصوت الصادق، بل يتقدّم الكاذب الذي يُتقن لعبة تغيير الأقنعة بحسب المواقف والظروف.
في هذه المدينة العجيبة، يرفع الناس شعارات الفضيلة ويفرشون سجادة الصلاة ويتعبدون ويبكون من الورع وينادون بمخافة الله، بينما يمارسون الرذيلة خلف الأبواب المغلقة فلا رقيب عليهم إلا الله، وكلّ وجه منهم يحمل ابتسامة مصطنعة مليئة بالخبث والسم، أحيانا العيون تكشف ما يخفيه القلب من حقد أو طمع، والمنافقون هنا يتقنون لغة التملّق، فهم يحوّلون الباطل إلى حقّ بكلمات مزيّفة، ويجعلون الحقّ يبدو كأنه خطيئة، إنهم كالحرباء؛ لا لون لهم إلا لون المصلحة.
هؤلاء ليسوا أصحاب جهد حقيقي أو إنجاز صادق، بل بارعون في اعتلاء السلالم على أكتاف الآخرين، يسرقون الفضل من جهود الصادقين، ويقتاتون على تعب غيرهم، وفي هذه المدينة، يصبح المتسلق بطلاً زائفاً، فيما يتوارى صاحب الكفاءة في الظل، وهكذا تُبنى القمم المزيّفة، وهي أشبه بقلعة ورقية تنهار عند أول ريح.
الكذب هنا ليس مجرد عادة، بل قانون غير مكتوب، يزيّنون الكلام بما يخدم مصالحهم، ويبدّلون الحقائق كما يحلو لهم، والحقيقة في هذه المدينة تُعتبر عيباً، والصراحة جريمة، أمّا الكذب، فهو مفتاح العبور إلى المناصب والمكانة والقبول الاجتماعي.
وسط هذا المشهد، تسير "أليس" مذهولة، تبحث عن منطق واحد يشبه ما عرفته في عالمها، فلا تجد جوابا.
تسأل الأرنب الأبيض مجددا:
"كيف يعيش الناس هنا؟"
فيجيبها بابتسامة ماكرة: "لا أحد يعيش بالحقيقة يا عزيزتي، بل يعيش الجميع بما تفرضه الأكاذيب".
فتدرك أليس أن هذه المدينة ليست بلاد العجائب، بل بلاد المرايا المكسورة، حيث تنعكس الصور مشوّهة، فلا يفرّق المرء بين القبيح والجميل، وبين الحق والباطل.
وبعد قراءة القصة فهناك العديد من التوصيات المستخلصة من رحلة أليس في بلاد العجائب ومنها:
_الفضول يقودنا لإكتشاف العالم العجيب.
– في بلاد العجائب، لا شيء فيها منطقي: الأحجام،الكلمات، المواقف، القوانين كلها تتغير.
_ الهوية والبحث عن الذات عندما تتغير أليس في الحجم جعلها تتساءل مرارا: من أنا؟ هذه دعوة للتأمل الذاتي، ومعرفة من نحن وسط ضغوط الحياة وتحدياتها.
_ التكيف مع التغيير فلم تستسلم أليس أمام غرابة المواقف، بل حاولت التكيف مع كل جديد، كن مرناً، فالحياة ما زالت مليئة بالمفاجآت.
_ القوة ليست دائماً في الحجم بالرغم من صغرها أحياناً، واجهت أليس الكثير من التحديات، وهذا يذكّرنا أن الشجاعة والفكر قد يكونان أقوى من القوة الجسدية.
_المعنى أعمق من الكلمات لا نأخذ الكلام بسطحية، بل نبحث عن مضمونه.
_ الخيال قوة وليس ضعفاً بل هو وسيلة لفهم الواقع بشكل أوسع.
قصة أليس هنا ليست مجرّد خيال، بل انعكاس لواقع يمكن أن نلمسه في بعض المجتمعات: مجتمعات تُكافئ النفاق، وتُقصي الصادقين، وتسمح للمتسلقين والكاذبين بالتصدر، وحين تصبح هذه القيم أساساً للحياة، تتحوّل المدينة كلها إلى "بلاد عجائب" مشوّهة، حيث يضيع العقل وتُقبر الحقيقة.