تعد مؤسسة المتقاعدين العسكريين إحدى أبرز المؤسسات الوطنية التي أدت دورا محوريا في خدمة الوطن وأبنائه الذين أفنوا سنوات عمرهم في ميادين الشرف والبطولة ، فقد وجدت هذه المؤسسة لتكون بيتا جامعا لكل من خدم في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وضمانة لحياة كريمة لهم بعد أداء واجبهم الوطني بكل فخر وإخلاص.
غير أن الواقع اليوم يكشف عن تحديات جسيمة تهدد قدرة هذه المؤسسة على أداء دورها الوطني والإنساني، في ظل غياب الدعم الحكومي الكافي وإمتناع بعض الجهات الرسمية عن دفع الإلتزامات المالية المستحقة عليها للمؤسسة، إلى جانب تراجع الإهتمام الرسمي بقضايا من قدموا أعز ما يملكون في سبيل الوطن ،
لقد أصبحت المؤسسة تواجه صعوبات مالية متفاقمة تمنعها من الإنخراط في مشاريع إستثمارية ناجحة، نتيجة تحميلها أعباءا مالية كبيرة دون تزويدها بالأدوات أو التمويل اللازم، بما في ذلك الديون المستحقة على عدد من الوزارات ، والأسوأ من ذلك أن تأخر الحكومة في سداد التزاماتها يدفع بالمؤسسة نحو الضعف والتراجع، في وقت يفترض أن تكون فيه الحكومة السند الأول والداعم الأكبر للمتقاعدين العسكريين.
وهنا لا بد أن أستذكر الموقف المسؤول والنهج المهني الذي إنتهجه معالي الوزير النزيه عز الدين كناكرية عندما كان وزيرا للمالية، إذ بادر حينها إلى معالجة قضية مماثلة تتعلق بدين حكومي لصالح نقابة المقاولين، حيث إقترح على النقيب أخذ قرض من أحد البنوك بقيمة الدين على أن تقوم الوزارة بسداده مع فوائده لاحقا ، وقد نجحت تلك الخطوة في إغلاق ملف الدين وتحريك السوق الأردني آنذاك، لتجسد نموذجا في الكفاءة والإحترافية الإدارية.
إن مؤسسة المتقاعدين العسكريين، بما تملكه من رمزية وطنية وخبرة عسكرية وكفاءة إدارية، لا يجوز أن تعامل كأي شركة تجارية تبحث عن الربح والخسارة. فهي جزء من منظومة الأمن الوطني، وينبغي أن تحظى برعاية إستثنائية ودعم دائم، لما تمثله من عمق إجتماعي وأمني وإقتصادي في آن واحد ،
فالمتقاعد العسكري لم يكن يوما موظفا عاديا، بل جنديا حمل روحه على كفه دفاعا عن الوطن ، ومن حقه أن يرى مؤسسته قوية مزدهرة قادرة على تلبية إحتياجاته عبر التوسع في المشاريع الإنتاجية ودعم رفاق السلاح ، فإضعاف هذه المؤسسة أو تركها تعتمد على موارد محدودة دون تسديد مستحقاتها يعني عمليا إضعاف ركيزة من ركائز الإستقرار الوطني.
وقد آن الأوان للحكومة أن تعيد النظر في سياساتها تجاه مؤسسة المتقاعدين العسكريين، وأن تبادر فورا إلى سداد المستحقات المالية المترتبة عليها، وأن يتحلى وزراؤها بالإحترافية التي جسدها معالي الدكتور كناكرية، ليتمكنوا من تمكين المؤسسة من أداء رسالتها وتنفيذ الرؤية الملكية السامية التي أُنشئت من أجلها ،
فوضع برنامج دعم حكومي واضح ومستدام يبدأ بدفع ما على الحكومة من التزامات مالية، سيضمن تمويل المؤسسة وتنميتها، ويعيد إليها قدرتها على أداء رسالتها الوطنية كما خطط لها ، كون دعمها ليس منة أو تفضلا، بل هو واجب وطني وأخلاقي تجاه رجال أدوا واجبهم بشرف وإخلاص،
لذلك نرجو من دولة رئيس الوزراء أن يصدر توجيهاته إلى وزير المالية لمزيد من الإحترافية والإهتمام بمؤسسة المتقاعدين العسكريين، وتسديد ما على الحكومة من ديون، وفق آلية مالية مرنة تضمن معالجة الخلل القائم ، كما نطالب المؤسسة نفسها بالإمتناع عن التعامل بنظام الذمم المالية المفتوحة مع الجهات الحكومية، حتى لا تتفاقم الديون كما هو الحال الآن ،
وختاما، فإن الحفاظ على قوة مؤسسة المتقاعدين العسكريين هو حفاظ على إرث من الوفاء والعطاء، ودعمها هو رسالة إحترام لجيل حمل على كتفيه أمن الوطن وإستقراره، ولا يزال حتى اليوم مثالا للإنتماء والولاء.
عاش الملك، عاش الجيش، عاشت أجهزتنا الأمنية، عاش المتقاعدون العسكريون.