لقد حمل الأردن عبر تاريخه لواء الريادة في الإصلاح السياسي والاجتماعي، وكان جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين الداعم الأكبر لنهج التمكين والتطوير، مؤمناً أن المجتمع لا يمكن أن ينهض بنصفه فقط، بل بكامل طاقاته من رجال ونساء، واليوم، ومع حكومة الدكتور جعفر حسان، نتطلع أن تُفتح صفحة أكثر إنصافاً وعدالة للمرأة الأردنية، خصوصاً في المواقع القيادية التي ما زالت تمثل مساحة ناقصة في حضور المرأة، رغم تميزها وكفاءتها.
لقد أثبتت المرأة الأردنية قدراتها في شتى الميادين، من التعليم إلى الصحة، ومن العمل المدني إلى المشاركة الاقتصادية، وظهرت في الظروف الصعبة كخط الدفاع الأول عن الأسرة والمجتمع إلا أنّ هذا الطموح ما زال يصطدم بجملة من المعيقات، أهمها الثقافة المجتمعية التقليدية، والفرص غير المتكافئة، وضعف الإرادة المؤسسية في ترسيخ معايير عادلة للتنافس، والنتيجة أن كثيراً من السيدات المؤهلات يتم تهميشهن عند تشكيل الحكومات أو عند التعيين في المناصب العليا.
إلى جانب المعيقات البنيوية، تواجه المرأة الأردنية، والتي تعد شكلاً آخر من الظلم يتمثل في محاولة محاربة إنجازاتها أو بترها، فكثير من السيدات اللواتي أثبتن حضوراً بارزاً في مواقع عملهن يتعرضن للتقليل من شأن نجاحاتهن، أو نسبها إلى غيرهن، أو حتى إقصائهن عند لحظة التكريم والتقدير، وهذا السلوك المؤسسي والمجتمعي معاً يخلق بيئة محبطة، تُشعر المرأة أن تميّزها ليس مكافأة بل عبئاً إنّ محاربة المرأة في إنجازها لا تضر بها وحدها، بل تُضعف الثقة المؤسسية وتفقد المجتمع فرصة الاستفادة من عقول مبدعة وكفاءات نادرة.
من يظن أن إدماج المرأة في المواقع القيادية هو مجرد ترف اجتماعي يغفل حقيقة أساسية مفادها أن القيادة النسائية رافعة للتنمية الوطنية، فقد أظهرت الدراسات العالمية أن مشاركة النساء في مراكز صنع القرار تعزز النزاهة والشفافية والإبداع المؤسسي، وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن تمكين المرأة في القيادة يسهم بشكل مباشر في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، بينما يُضفي حضورها السياسي توازناً على الخطاب الوطني ويقوي صلابة المؤسسات الديمقراطية، أما اجتماعياً، فإن المرأة في القيادة تمنح المجتمع نموذجاً عملياً لترسيخ قيم العدالة والمساواة.
لقد كان جلالة الملك عبد الله الثاني ولا يزال رائداً في الدعوة إلى تمكين المرأة، مؤكداً في أكثر من خطاب أن المرأة الأردنية شريك أساسي في التنمية وصاحبة دور جوهري في بناء المستقبل، غير أن هذه التوجهات الملكية، على أهميتها، تحتاج إلى ترجمة عملية من الحكومات، فلا تبقى مجرد شعارات تردد على المنابر، بل تتحول إلى سياسات فعلية تنعكس في القرارات والتعيينات.
تجد الحكومة نفسها اليوم أمام مسؤولية تاريخية، فالمجتمع الأردني يترقب نقلة نوعية في السياسات العامة، لا سيما ما يتعلق بتمكين المرأة في المواقع القيادية، ويتطلب ذلك تمثيلاً عادلاً للنساء في التعيينات العليا واللجان الوطنية، ووضع معايير شفافة للتنافس بعيداً عن المحاصصة والعلاقات الشخصية، إلى جانب تشريعات تحمي المرأة من التمييز وتضمن استدامة حضورها في مواقع صنع القرار، كما أن من الضروري إطلاق برامج تدريب وتأهيل متخصصة تستهدف النساء الشابات، لتأهيلهن لتولي المسؤوليات القيادية في المستقبل القريب.
إن المرأة الأردنية لا تطلب امتيازات خاصة، بل تسعى لنيل حقها المشروع في العدالة وتكافؤ الفرص، لكنها في الوقت نفسه ترفض أن تُحارب أو يُبتر إنجازها حين تصل إلى مواقع متقدمة، إنها تطالب بأن تُعامل كإنسان كامل الكفاءة والقدرة، لا كملحق أو ديكور تجميلي في المؤسسات الرسمية،المرأة اليوم تنطق بلسان الوطن حين تقول: نحن لا نبحث عن مجاملة، بل عن اعتراف صادق بدورنا في البناء والمشاركة.
إن إنصاف المرأة الأردنية في المواقع القيادية حاجة وطنية لضمان نهضة الدولة وتماسكها، فرسالتي
إلى جلالة الملك، أنت راعي الإصلاح وضامن العدالة، ونداؤنا أن تستمر في دعم المرأة وتوجيه الحكومات لترجمة رؤاكم الكريمة.
وإلى حكومة جعفر حسان، أنتم على المحكّ، والتاريخ لن يرحم التردد أو التأجيل، لأن المرأة الأردنية تستحق الإنصاف اليوم، لا غداً.
فالقيادة لا تعرف جنساً، وإنما تعرف الكفاءة والإخلاص للوطن وقائده، فالمرأة في الميدان أثبتت قوتها وصمودها رغم محاربتها ومحاولة النيل من انجازاتها.