كالعادة حين تحدث مشاجرة في إحدى الجامعات يتحول الفيسبوك إلى ساحة معركة أخلاقية لا تقل حماسة عن المشاجرة ذاتها فجأة الجميع يصبح مربّي أجيال وخبيرًا اجتماعيًا ومُصلحًا تربويًا وناشطًا في مجال إعادة تأهيل المجتمع الأردني من الانهيار الأخلاقي
"ما هذا الانحدار؟!"
"وين أهلهم؟!"
"ليش الجامعات صارت ساحات قتال؟!"
نفس الأسطوانة نفس الوجوه نفس النبرة التي توحي بأننا نعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة إلى أن جاء هؤلاء "الطلبة المشاغبون" وأفسدوا كل شيء!
لكن دعونا نتحدث بصراحة ونضع ايدينا على الجرح
أليس هؤلاء الطلبة من أبناء هذا المجتمع
أليسوا نتاج تربية في بيوت قد يكون بعضها من نفس البيوت التي تنظّر الآن
ألم نرَ مشاجرات في الأعراس في الشوارع في طوابير الخبز وحتى في المدارس وفي تنازعات الأخوة وبين والأنسباء وفي ملاعبنا بل رأيناها في مساجدنا
أم أن المشاجرات مقبولة في الأعراس لأن فيها دحية وفشة غل لكنها حين تحدث في الجامعة تصبح كارثة وطنية
نحن بارعون في جلد الآخرين ونمتلك قدرة خارقة على أن نُصدر أحكامًا سريعة دون أي محاولة للفهم والأجمل من ذلك أننا نُحسن التظاهر بالذهول كل مرة رغم أن هذا المشهد بات مكررًا كحلقة من مسلسل رمضاني رديء الإنتاج
وهنا المفارقة الطريفة
قد تجد من يكتب منشورًا ناريًا يلعن فيه الطلبة ويتحدث عن الأخلاق والتربية، وبعد يومين يتشاجر مع جاره على موقف سيارة أو يكسر زجاج سيارة أحدهم لأن الشاب زمرله
لكن الفرق أن مشكلته لم تُصوَّر ولم تنتشر على السوشال ميديا فبقي هو في نظر نفسه قدوة
يا سادة القصة ليست طلبة مشاغبين فقط القصة أكبر من ذلك إنها منظومة كاملة: غياب الحوار وضعف الاحتواء وغلبة الانفعال على العقل وانعدام المساحات الآمنة للتعبير والتفريغ النفسي.
فبدلًا من أن نغرق في التنظير والتوبيخ لنسأل أنفسنا
ماذا لو كان ابنك في هذا الشجار؟
هل ستكتب منشورًا تقول فيه: "إلى جهنم وبئس المصير؟"
أم أنك ستبحث عن الأعذار وتطلب من الناس التريّث وتهتم له لأنه ابنك والجمل لا يرى اعوجاج رقبته
العدسة التي نُدين بها الناس غالبًا ما تُكسر حين نرى المشهد من جهة قريبة
فيا أيها المتفاجئون في كل مرة ويا من تلبسون عباءة الواعظ كلما سقط طالب في لحظة تهور الم تكونوا في يوم من الأيام في شبابكم وفي جامعاتكم ترون ذلك وتشاركون وتتحدوث عنها بأقل من ذلك حدة
نحن نعيش في مجتمع واحد وبيوت الأردنيين واحد فخففوا التنظير الذي بتنا نشاهده في جميع الاحداث اليومية فيوم لك ويوم عليك فلا نقوم بدور الجلاد وقد تدور الدائرة