تصدرت أحداث الشغب في الجامعة الأردنية مواقع التواصل الاجتماعي، ورافقتها موجات من الانتقاد والاتهامات الجاهزة بحق الجامعات الأردنية، وكأنّ الجامعات عالمٌ منفصل عن المجتمع يعيش خارجه، غير أن الحقيقة التي ينبغي أن نتوقف عندها بإنصاف هي أن الجامعات ليست كيانًا معزولًا، بل مرآة صادقة تعكس ما يدور في المجتمع من قيمٍ واتجاهاتٍ وسلوكيات.
إن طلبة الجامعات هم أبناء هذا المجتمع، نشأوا في بيئاته وتربّوا في منازله ومدارسه وأحيائه، ويحملون معهم ما اكتسبوه من أنماط التفكير والسلوك، لذا فإن الاكتفاء بانتقاد الجامعات دون النظر إلى السياق الاجتماعي الأوسع أمرٌ مجحفٌ وغير منصف، لأن الظواهر السلبية التي نراها داخل الحرم الجامعي ليست سوى انعكاسٍ لظواهر أعمّ وأعمق في المجتمع ذاته.
دعونا نتوقف عن جلد جامعاتنا، فطلبتنا هم مرآة لمجتمعنا وأبناؤه قبل أن يكونوا طلابًا على مقاعد الدراسة، لسنا في مجتمع فاضل، بل في مجتمعٍ يسعى للإصلاح، والجامعات جزء من هذا الجهد لا المتهم الوحيد فيه.
تبذل الجامعات ما في وسعها لمعالجة هذه الظواهر وغيرها من خلال البرامج التوعوية والتثقيفية والمبادرات الطلابية الهادفة، التي تشغل أوقات الطلبة وتوجّه فكرهم إيجابيًا بما يخدم بناء شخصياتهم ويؤهلهم ليكونوا بناة المستقبل.
إن مسؤولية معالجة الظواهر السلوكية مسؤولية تشاركية تشمل الأسرة، والمدرسة، والإعلام، والمؤسسات الدينية والمجتمعية. فالجامعات تتلقى ما أنتجه المجتمع، وتعمل على تهذيبه وصقله، لا على خلقه من العدم.
وفي الوقت الذي ندعو فيه جامعاتنا إلى الارتقاء ببرامجها التربوية، فإننا ندعو المجتمع أيضًا إلى أن يكون سندًا للجامعات لا سوطًا عليها. فالمسيرة الإصلاحية التي ينشدها الوطن تتطلب وحدة الجهد وتكامل الأدوار، لا تبادل الاتهامات.
إن الجامعات جزء من مشروع الإصلاح الوطني، وميدان لبناء الإنسان القادر على حمل راية التغيير الإيجابي، وإذا أردنا جامعات أفضل، فعلينا أولًا أن نصلح بيئتنا الاجتماعية التي ترفدها بطلابها كل عام.
ولنقلب الصفحة دون أن نهملها أو نغفل عنها، بل نعالج حيثياتها بوعي ومسؤولية بعيدًا عن التهويل والتشهير، ونشدّ على أيدي المسؤولين في الجامعات لتطبيق العقوبات العادلة والرادعة بحق كل من يثبت تورطه في أحداث العنف الجامعي، دون تدخلٍ عشائري أو اعتبارات مناطقية، لأن الحزم والعدالة هما جزء أساسي من الحلّ في الحد من هذه الظاهرة.