في السنوات الأخيرة، يشهد الأردن صحوة شبابية لافتة نحو مجالات الإبداع والابتكار، خصوصًا في ميادين التكنولوجيا الحديثة، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والبرمجة، وريادة الأعمال الرقمية. لم تعد مشاركة الشباب الأردني مقتصرة على الفعاليات المحلية، بل تجاوزت الحدود لتصل إلى منصّات دولية حصدوا فيها المراكز الأولى والميداليات الذهبية، مثبتين أن العقول الأردنية قادرة على المنافسة عالميًا حين تتاح لها الفرصة.
هذه الإنجازات لم تأتِ صدفة، بل هي ثمرة شغفٍ متّقد، ودافعٍ ذاتي للتعلّم والتميّز، مدعوم بجهود فردية ومبادرات مجتمعية، وأطر تعليمية بدأت تواكب التحوّل الرقمي العالمي. ومع ذلك، يبقى السؤال الجوهري: كيف يمكن أن نحافظ على هذه الشرارة ونحوّلها إلى مسار وطني دائم للإبداع؟
إن ما يبعث على الفخر أن هذه النهضة الشبابية تأتي منسجمة مع رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الداعمة للشباب وتمكينهم باعتبارهم عماد المستقبل وأساس التنمية. وقد أكّد جلالته في مناسبات عديدة أن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان الأردني، وفي قدراته الإبداعية التي تُسهم في بناء وطنٍ مزدهر قائم على المعرفة والتميز.
كما يبرز دور سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، أمير الشباب وملهمهم، الذي جسّد برؤيته الحديثة واهتمامه العميق بالابتكار والتحوّل الرقمي نموذجًا يحتذى به في دعم الطاقات الشابة، وتوفير الفرص أمامهم للإبداع والمشاركة في بناء المستقبل.
الخطوة الأولى نحو تعزيز هذه المسيرة تبدأ من تبنّي ثقافة الابتكار في التعليم، عبر دمج مهارات التفكير النقدي والبرمجة والذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية منذ المراحل المبكرة. ثم يأتي دور القطاعين العام والخاص في توفير بيئات حاضنة، ومساحات عمل مشتركة، ومسابقات وطنية تستقطب الموهوبين وتفتح أمامهم الأبواب نحو العالمية.
أما الإعلام الوطني، فله دور محوري في تسليط الضوء على هذه النماذج المشرّفة، لتكون مصدر إلهامٍ لبقية الشباب، بدلًا من أن تبقى قصص النجاح محصورة في نطاق ضيّق.
نحن اليوم أمام جيلٍ يملك الإرادة والقدرة على صناعة التغيير، وكل ما يحتاجه هو الإيمان والدعم المستمر. فحين نمنح شبابنا الثقة والفرص، فإننا لا نرعى مبادرات فردية فحسب، بل نبني مستقبل الأردن القائم على الإبداع والمعرفة، تحت قيادةٍ حكيمة تؤمن بأن الشباب هم القلب النابض للوطن ومستقبلُه.