في لحظة سياسية وإنسانية دقيقة، خرج جلالة الملك عبد الله الثاني بخطاب يعيد التذكير بمعنى القيادة، ومعنى أن تكون أردنيًا في زمن الصعاب. لم يكن الخطاب مجرد كلمات تُلقى، بل كان نبضًا وطنيًا صادقًا أعاد الثقة إلى قلوب الناس، وأكد أن الأردن ما زال بخير ما دام فيه هذا التلاحم بين الملك وشعبه.
الملك تحدث بلغة القريب، لا بلغة الرسميات. حين قال: "شعبي القريب مني سند الأردن وذخره”، أعاد صياغة العلاقة بين القائد وشعبه، وجعلها علاقة أخوّة وثقة متبادلة، لا علاقة أوامر ومراسيم. تلك الجملة وحدها تختصر فلسفة الملك في الحكم؛ فالشعب هو القوة وهو الحماية، وهو الامتداد الحقيقي لعرشٍ يستمد شرعيته من محبة الناس لا من أي شيء آخر.
أما قوله: "نحن الأردنيين، حملة العزيمة”، فهو ليس شعارًا، بل توصيف دقيق لطبيعة الأردنيين. فالعزيمة هنا ليست مجرد صبر، بل إرادة حياة، وقدرة على الوقوف بعد كل عثرة. من كرامة 1968 إلى كل معركة خاضها الأردنيون، كانت العزيمة هي السلاح الأقوى.
وفي تأكيده: يضع الملك الأساس العقائدي للأردن الحديث: الانتماء، الولاء، والثبات. إنها رسالة طمأنينة بأن الدولة ليست هشة كما يتمنى البعض، بل محصّنة برجالها، ومرتكزة على إرثٍ هاشميٍ راسخ في الضمير الوطني.
الملك لم يتحدث من برجٍ عالٍ، بل من قلبٍ يشعر. حين قال: "نعم، يقلق الملك، لكن لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئًا وفي ظهره أردني”، ألغى المسافات بينه وبين الناس. إنها لحظة صدق نادرة، تكشف عن عمق العلاقة بين الملك وشعبه، وعن معنى القيادة في أبهى صورها الإنسانية.
وفي الجانب السياسي، حمّل جلالته مجلس الأمة مسؤولية متابعة مسار التحديث السياسي، وتفعيل الحياة الحزبية لخدمة الوطن لا المصالح الضيقة. دعوة واضحة لمرحلة جديدة من العمل العام، عنوانها الشفافية والمساءلة.
كما أكد الملك على أهمية الاستمرار في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وتطوير التعليم والصحة والنقل، وهي ملفات تمس حياة المواطن اليومية، وتشكل أساس الدولة العصرية التي يريدها جلالته.
وفي البعد القومي، كان الموقف الأردني من غزة والضفة الغربية واضحًا ومشرّفًا: "سنبقى إلى جانبكم بكل إمكانياتنا، وقفة الأخ مع أخيه” — جملة تختصر تاريخ الأردن في الدفاع عن القضايا العادلة، وفي مقدمتها فلسطين.
وفي ختام الخطاب، قالها الملك بوضوح: "لا خوف على الأردن القوي بشعبه ومؤسساته.”
تلك ليست جملة تفاؤلية، بل حقيقة يعرفها كل من قرأ تاريخ هذا الوطن.
إن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني كان أكثر من رسالة سياسية، بل كان وثيقة وجدانية تُعيد الثقة بالنفس، وتؤكد أن الأردن وُلد ليبقى.
ففي زمن الانقسام والضياع، يبقى الأردن مثالًا في الثبات والعقلانية.