ليس في قول الملك «نعم، يقلق الملك، لكنه لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئًا وفي ظهره الأردني» مجرد عبارة عابرة في خطابٍ رسمي، بل إعلان فلسفة قيادةٍ ورؤية دولةٍ تؤمن أن الثبات لا يُصنع بالضجيج، بل بالوعي والإيمان والمسؤولية.
جاء الخطاب الملكي في توقيتٍ ليس عاديًا، وسط مشهدٍ إقليميٍ متشابك، وضغوطٍ اقتصاديةٍ داخلية، وتحدياتٍ تُختبر فيها الإرادات قبل السياسات. ومع ذلك، تكلّم الملك بصفاء الموقف وثقة المنتصر، لا بمنطق التبرير، بل بلغة من يعرف طريقه ولا ينتظر تصفيق أحد.
الملك يقلق، نعم، لكنه قلق القائد الذي يسهر ليحمي استقرار وطنه، لا قلق الخائف الذي يتهيب الأزمات.
يقلق لأن الأردني في وجدانه أمانة، ولأن الوطن ليس مشروع سلطة، بل رسالة وجود.
في كل مفردة من الخطاب، كان هناك تأكيد أن الأردن لا يُقاس بحجمه الجغرافي، بل بوزنه الأخلاقي والسياسي، وبقدرته على أن يكون صوت الحكمة في زمنٍ يعجّ بالصخب والانقسام.
وعندما تحدّث عن القدس وفلسطين، لم يكن يكرر موقفًا دبلوماسيًا مألوفًا، بل يثبّت العهد التاريخي للوصاية الهاشمية كأمانةٍ من آباءٍ إلى أبناء، ومن هاشم إلى عبدالله.
فلا مساومة على الحق، ولا تراجع عن الثوابت، ولا قبول لمن يختبر صبر الأردن على حساب كرامته.
أما في الداخل، فقد وضع الخطاب النقاط على الحروف: الإصلاح ليس خيارًا ترفيًّا، بل واجبًا وطنيًا؛ والأداء العام بحاجةٍ إلى روحٍ جديدة، وإلى مسؤولٍ يعي أن خدمته للوطن ليست موقعًا بل تكليفًا.
فالأردن لا يقبل أنصاف الحلول، ولا يقف في المنتصف بين الفعل والعجز.
لقد قالها الملك بوضوح:
إن الوطن الذي في ظهره الأردني لا يُهزم، ولا ينكسر، ولا يخاف إلا الله.
وما بين قلق القائد وثقة الشعب، تولد معادلة الأردن الأبدية: قيادة لا تساوم، وشعب لا يلين، ووطنٌ ثابت في وجه العواصف.