في زحام الحياة، وفي اتساع الأيام التي تركض بنا دون رحمة، يحدث أحيانًا أن نشعر بأننا لم نعد كما كنا. تتناثر طاقتنا، تتبعثر مشاعرنا، ونمضي ونحن نحمل داخلنا شيئًا غير واضح… عندها فقط نقول لأنفسنا: "بدي أُلمّلم نفسي.”
هذه العبارة ليست مجرّد كلمات عابرة، بل إعلان داخلي عن لحظة صادقة مع الذات. لحظة إدراك بأننا لم نعد متوازنين كما ينبغي، وأننا بحاجة إلى العودة إلى نقطة الصفر… إلى الداخل، إلى حيث يسكن جوهرنا الحقيقي
ما معنى أن نُلمّلم أنفسنا؟
هو أن نتوقف قليلًا عن الركض.
أن نجمع ما تشتت من أفكارنا، وما ضاع من مشاعرنا بين الواجبات والناس والأحداث.
أن نُصغي لصوتنا الداخلي الذي خفت تحت ضجيج العالم.
أن نعيد ترتيب فوضى الروح، ونمسح غبار الأيام عن قلوبنا.
لملمة النفس ليست رفاهية… إنها ضرورة.
فحتى القلوب الأقوى تتعب، وحتى الأرواح الألطف بحاجة إلى مأوى آمن داخل ذاتها.
لماذا نحتاج لوقت نعود فيه لأنفسنا؟
لأننا في حياتنا اليومية نفقد قطعًا صغيرة من ذواتنا.
نعطي، نتحمّل، نُساير، نُطمئن، نُهدّئ… حتى نجد أننا لم نعد نملك تلك المساحة الدافئة لأنفسنا.
ولأن الإنسان لا ينهار فجأة… بل يتصدّع بصمت، ويختنق تدريجيًا، ثم يدرك متأخرًا أنه كان بحاجة إلى وقفة، إلى استراحة، إلى إعادة شحن روحه.
وحتى نستطيع لملمة أنفسنا علينا ، التنفس بعمق ونغفر لأنفسنا ، نمارس الامتنان ، نعيد ترتيب اولوياتنا ، نتنفس بعمق ونغفر لأنفسنا ، نعيد حساباتنا مع الآخرين ، نكتب نرسم نقرأ نرقص ، نختار من نحب من الأصدقاء ، نحاففظ على اسرتك وعائلتك .
نحن لا نُشفى من الحياة مرة واحدة، بل في كل مرة نختار فيها أن نلملم أنفسنا، لا أن نستسلم لتبعثرها.
كل إنسان يحتاج، بين حين وآخر، أن ينسحب إلى ذاته بهدوء، ليجمع فتافيت روحه، ويعيد ترتيب داخله كما يعيد طفلٌ صغير بناء لعبته المفضلة بعد أن تساقطت قطعها.