في وطنٍ صاغت الجغرافيا ملامحه ورسم التاريخ حدوده الروحية، يقف الأردن اليوم أمام مرحلة تتطلب إيمانًا حقيقيًا بالطاقات القادرة على صناعة الفرق، وفي مقدمة هذه الطاقات يأتي الشباب، ليس بوصفهم مجرد مستقبلٍ ننتظره، بل باعتبارهم الحاضر الذي يتحرك، ويعمل، ويعيد تشكيل الواقع بإرادته وعزيمته.
منذ تأسيس الدولة الأردنية كان الشباب عنصر القوة والاستمرارية في مسيرة البناء. واليوم، يتجدد هذا الدور بصورة عصرية تعتمد على العلم والمهارة والقدرة على التحليل، لا على القوة وحدها. إن الحديث عن الشباب ليس وصفًا عاطفيًا أو شعارًا مثاليًا، بل هو اعتراف بأن النهضة الحقيقية تبدأ حين نؤمن بهم، ونمنحهم المجال للتجربة والعمل والمشاركة.
يمتلك الشباب الأردني اليوم وعيًا متقدمًا وقدرة على قراءة التحديات وإنتاج حلول تتناسب مع واقع العصر. فكرة واحدة قد تولد في عقل شاب قادر على التفكير والتخطيط، يمكن أن تتحول إلى مشروع ريادي يخدم المجتمع، أو مبادرة اجتماعية تُغيّر محيطًا كاملًا، أو منصة إعلامية ترفع مستوى الخطاب والوعي. وهكذا يصبح الشباب قوة للفكر قبل أن يكونوا قوة للحضور.
وتأتي المؤسسات التعليمية في هذا السياق كمساحة أساسية لاكتشاف المواهب وبناء القيادات. فالجامعات والمعاهد ليست مجرد أماكن لتلقي المعرفة، بل هي بيئات تُعلّم الشباب فن الحوار، وأخلاقيات الاختلاف، وكيفية العمل بروح الفريق. ومن خلال اللجان الطلابية والمبادرات الجامعية، تتشكل شخصيات قادرة على القيادة والمسؤولية الاجتماعية.
أما العمل التطوعي، فقد أثبت الشباب الأردني أنه ليس مجرد نشاط جانبي، بل ثقافة راسخة تعبر عن إيمان عميق بأن الوطن مسؤولية مشتركة. فمن دعم الأسر والمحتاجين، إلى المشاريع التعليمية والمجتمعية، إلى المبادرات البيئية والصحية، يظهر الشباب بصورة الإنسان الذي يعطي قبل أن يطلب، ويعمل قبل أن يتحدث.
ولا يكتمل دور الشباب ما لم يُسمع صوتهم في الحياة المدنية والسياسية. فالمشاركة الحقيقية لا تعني الحضور العددي، بل المشاركة في صنع القرار وتوجيه السياسات وبناء رؤية مستقبلية. وإشراك الشباب في المؤسسات، والمجالس، والمنظمات، هو خطوة نحو تجديد الدم الوطني بروح واعية ومؤمنة بقدرتها على التغيير.
ولا يمكن تجاهل التحديات التي تواجه الشباب، من محدودية فرص العمل إلى صعوبة الوصول إلى البرامج الداعمة والمصادر المساعدة على تحويل الأفكار إلى مشاريع. إلا أن الشباب الأردني اعتاد أن يكون أكبر من العائق، وأقوى من الظروف، وأكثر إصرارًا من كل ما يواجهه.
إن الاستثمار في الشباب ليس خيارًا إضافيًا، بل هو ضرورة وطنية. فحين نمنحهم الثقة والفرصة والمساحة، نكون قد وضعنا أساسًا صلدًا لمستقبلٍ أقوى، ولأردن قادر على الاستمرار بثبات وإبداع وسط عالمٍ سريع التحول.
الأردن ينهض بشبابه… وبحناجرهم التي تقول:
نحن هنا. نحمل الحلم. نصنع الطريق. ولا ننتظر الغد… بل نبنيه بأيدينا.