برحيل معالي الشيخ جمال حديثة الخريشة يفقد الأردن واحدًا من رموزه الوطنية الهادئة التي عملت بصمت، وخلّفت بصمة لا تُنسى في تاريخ الموقر وخدمة الشهداء والجيش العربي. ولعل ما قاله خليل سند الجبور في شهادته عن الأيام الأخيرة للراحل يكشف حجم هذا الرجل وقيمة وصاياه.
يقول الجبور إنه زار الراحل في المستشفى بالمركز العربي، فوجد قلبًا ممتلئًا بالوصايا، وروحًا لا تفكّر إلا في خدمة الوطن. كانت أولى وصاياه:
"اكتب عن الشهداء… شهداء الأردن كافة، وشهداء قبيلة بني صخر خاصة."
فهو صاحب فكرة إقامة النصب التذكاري لشهداء قبيلة بني صخر بالتعاون مع القوات المسلحة الأردنية، ذلك النصب الذي تحوّل إلى شاهد دائم على تضحيات أبناء القبيلة والجيش العربي.
أما الوصية الثانية فكانت المسجد… المسجد الذي تابع الخريشة بناءه يومًا بيوم، واعتبره مشروع عمره، إذ شيّده على الطراز الحديث ليكون منارة للعبادة والسكينة في الموقر. يقول الجبور:
"كان يُلحّ عليّ أن أكتب عن المسجد، وأن أوثق مراحل العمل فيه… لم يخبرني أنه يريد أن يُدفن بجانبه، لكنني علمت لاحقًا أنها كانت رغبته."
هذه الشهادة الإنسانية تتقاطع مع ما تركه الراحل من أثر ملموس في الموقر؛ فقد كان رجلًا نهضويًا، ساهم في تطوير مؤسساتها الحيوية:
من المحاكم إلى وزارة التنمية الاجتماعية، ومن مكتب الأحوال المدنية إلى البنوك، وغيرها من المرافق التي شهدت حضورًا ودعمًا مباشرًا منه، ما جعل أهالي الموقر يعتبرونه "نقلة نوعية" في تاريخ منطقتهم.
لقد رحل جمال حديثة الخريشة، لكن وصيته تبقى:
الشهداء أولًا… والمسجد شاهد على محبته لوطنه وقبيلته.