تأتي دعوة سمو ولي العهد لصياغة سردية أردنية شاملة بوصفها خطوة محورية في إعادة بناء الوعي الوطني وتعزيز حضور الهوية الثقافية في مختلف مجالات الإبداع.
وفي هذا السياق، يبرز الفن التشكيلي الأردني بوصفه أحد أهم الحقول القادرة على تمثيل السردية بصورة موضوعية ورصينة؛ فهو المجال الذي تتجلى فيه الذاكرة الجمعية وتتشكّل عبره الرموز البصرية التي تعبّر عن ملامح الدولة والمجتمع .
تشبه السردية الأردنية في الفن التشكيلي دفتر الذاكرة الذي يُترك مفتوحاً أمام الضوء واللون. فهي الحكاية التي يكتبها الفنانون عبر ريشهم، مستندين إلى المكان الأردني بكل ما فيه من صحراء شاهقة، وحجرٍ أحمر، وقرى تتكئ على التلال، ووجوه تحمل ملامح البدايات الأولى.
في اللوحة الأردنية تتجاور الفسيفساء القديمة مع زخارف البادية، وتنهض ملامح الإنسان بوصفها القلب النابض للسردية؛ إنسان يرتحل بين التراب والحنين، فيصنع من تفاصيل يومه لغة بصرية تعرّف بالأردن أكثر مما تفعل الكلمات. وهكذا يتحوّل الفن إلى جسرٍ يربط الماضي بالحاضر، ويعيد تقديم الهوية بوصفها مشهداً حيّاً لا نصاً مغلقاً.
ومع الدعوة إلى صياغة سردية وطنية، يصبح الفن التشكيلي أحد أهم مفاتيح هذا المشروع. فهو القادر على جمع رموز المكان وتراثه، وإعادة ترتيبها في صورة تُشبه البلاد وتروي قصتها بعمق وصدق. ومن هنا تبرز الحاجة إلى جهد مؤسسي يعتني بهذه اللغة، يوثّق ما أُنجز، ويصنع إطاراً بصرياً يعكس روح الأردن ويقدّمه للعالم بوصفه حضارة حيّة لا تنطفئ.