حين يتحدث فضل معارك، تشعر أن صوته ليس مجرد أداة بثّ إذاعي، بل هو صدى لوجدان الناس وذاكرة وطنٍ بكامل تفاصيله. من خلال عقودٍ من العطاء في ميادين الإذاعة والتلفزيون والإعلام العام، استطاع أن يحجز لنفسه مكانة بين أبرز الأصوات الأردنية التي تركت أثرًا واضحًا في تشكيل الوعي الجمعي، وتوثيق نبض المجتمع الأردني بكل تحولاته وإنجازاته.
وُلد فضل معارك في مدينة إربد عام 1973، تلك المدينة التي أنجبت نخبة من المثقفين والإعلاميين، فكان أن حمل منها شغف الكلمة وصدق الرسالة. وبعد أن أنهى دراسته الثانوية، اتجه إلى جامعة اليرموك ليدرس الصحافة والإعلام، متخصّصًا في الإذاعة والتلفزيون، وتخرّج عام 1995، مؤمنًا بأن الإعلام ليس مجرد مهنة، بل مسؤولية ورسالة وطنية وإنسانية.
بدأ فضل معارك مسيرته المهنية عام 1996 مذيعًا ومعدًا رئيسيًا، في فترة كانت الإذاعة الأردنية تشهد فيها تحولات كبيرة على مستوى الشكل والمضمون. وخلال الفترة ما بين 1996 و1998، قدّم وأعد مجموعة من البرامج المتنوعة التي استهدفت فئة الشباب، أبرزها برامج «شباب × شباب» إلى جانب برامج سياحية وشبابية، واضعًا بصمته الأولى في مخاطبة الجمهور الشاب بلغة عصرية ومحتوى قريب من الواقع.
وفي عامي 1998 و1999، انتقل إلى تجربة أكثر تفاعلية عبر العمل في برنامج «البث المباشر»، حيث أدار الحوارات الحية وتفاعل مع الجمهور، في تجربة أسهمت في صقل أدواته المهنية وتعميق خبرته في التعامل مع الهواء المفتوح. وفي مطلع الألفية الجديدة، وتحديدًا بين عامي 2001 و2003، قدّم وأعد برنامج « حوار الخميس الخاص»، وهو برنامج حواري ناقش قضايا اجتماعية وخدماتية وثقافية بأسلوب معمّق، عكس نضجًا مبكرًا في تجربته الإعلامية.
وخلال الفترة من 2000 إلى 2004، كان فضل معارك حاضرًا بقوة عبر أثير إذاعة عمّان FM، من خلال إعداد وتقديم البرامج والفترات المفتوحة، قبل أن يتولى بين عامي 2004 و2007 الإشراف وتقديم برنامج «حديث الناس»، الذي رسّخ حضوره كمحاور يمتلك القدرة على إدارة النقاش العام والتفاعل مع هموم الشارع.
ولم تقتصر تجربته على البرامج المحلية، بل امتدت إلى مشاريع ذات بعد وطني ودولي، حيث قدّم عام 2001 برنامج «شباب 21» بالتعاون مع اللجنة الوطنية للسكان وجامعة جونز هوبكنز، كما قدّم برامج شبابية وثقافية مثل «شباب دوت كوم» في المركز الوطني للثقافة والفنون، وبرنامج «الآلات الذكية»، إلى جانب برنامج «صفحات من تاريخ الأردن» الذي وثّق محطات من الذاكرة الوطنية بأسلوب إذاعي تثقيفي.
وفي الفترة من عام 2007 إلى العام 2010، واصل عمله في الاشراف العام و إعداد وتقديم برنامج البث المباشر ، كما أعد وقدم عام 2009 برنامج «لقاءات عربية» ضمن فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية، في تجربة ذات بعد قومي وثقافي. كما تولّى الإشراف على برنامج «المجتمع والإعاقة» بين عامي 2009 و2010، في تجربة إنسانية واجتماعية أكدت انحيازه لقضايا المجتمع الاردني .
وفي محطة إدارية مهمة، انتدب من مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الى امانة عمان الكبرى في الفترة من عام 2010 الى العام 2012 ليعمل مديرًا لإذاعة «هوا عمّان» حيث قاد الإذاعة في مرحلة تأسيسية مهمة، وأسهم في تطوير خطابها الإعلامي وبرامجها الخدماتية والمجتمعية والثقافية. كما أشرف وعمل على تغطية فعاليات مهرجان صيف عمّان وليالي القلعة وليالي البحر الميت في عامي 2010 و2011 بالاضافة الى مساهمته في الحملات الاعلامية لامانة عمان في مجالي التوعية والتثقيف.
وخلال الأعوام 2012 إلى 2014، عاد مجددًا لتقديم برنامج «لقاءات عربية»، كما عمل مذيعًا في الإذاعة الداخلية للترويج لفعاليات مهرجان جرش بين 2012 و2013. وفي الفترة نفسها، قدم برنامج «مساء الخير» حتى عام 2016، وهو من البرامج التي رسخت حضوره اليومي لدى المستمعين.
وفي مجال التدريب عمل فضل معارك مدربًا في دورة متخصصة في تخطيط وإنتاج البرامج الإذاعية لعدد من الاعلاميين والاعلاميات العرب في تجربة نقل فيها خبرته المهنية إلى أجيال جديدة من الإعلاميين والاعلاميات العرب.
وعلى المستوى المؤسسي، شغل بين عامي 2015 و2019 منصب المنسق الإعلامي لملتقى الإذاعات والفضائيات في العقبة، كما ترأس عام 2015 لجنة الاحتفال بالعيد السادس والخمسين لتأسيس الإذاعة الأردنية، وتولى في الفترة نفسها إدارة الترويج والبرامج لمهرجان جرش للثقافة والفنون حتى عام 2019.
ومنذ عام 2016 وحتى اليوم، يتولى فضل معارك مهمة الإشراف العام على برنامج «هنا عمّان» الإذاعي، في تجربة مستمرة تجمع بين الطرح الاعلامي والثقافي .
كما تولّى في العام 2018 إدارة مديرية البرنامج العام، وأسهم في تطوير بنية المحتوى الإذاعي على مستوى التخطيط والتنفيذ.
وكان حاضرًا في المناسبات والاحداث الوطنية ، حيث أشرف على التغطية الإذاعية للانتخابات اللامركزية والبلدية عام 2017، والانتخابات النيابية عام 2020، كما أشرف على تنفيذ البث الإذاعي المشترك لمئوية الدولة الأردنية عام 2021. و أدار جلسات مؤتمر التربية الإعلامية في إربد خلال الفترة 2018–2019.
وفي سياق المسؤولية الإدارية، كلّف خلال الفترة من العام 2019 وحتى العام 2025 مديرًا لإدارة الإذاعة بالوكالة ، في دلالة واضحة على الثقة المؤسسية بخبرته وقدرته على إدارة العمل الإذاعي في مراحل دقيقة.
لم يكن حضور فضل معارك على شاشة التلفزيون الأردني مجرد ظهور عابر، بل كان انطلاقة موهبةٍ تنمو بثقة وتضيف إلى روحه الإعلامية بريقًا خاصًا. بدأ خطواته الأولى في إعداد البرامج الشبابية والثقافية، فكان من بين من أسهموا في إعداد برامج حملت رسائل مُلهِمة جاعلاً من الكلمة مساحة للحوار، ومن الفكرة جسراً نحو وعي الجيل.
ولم يكتفِ بالإعداد خلف الكواليس، بل تولّى مهام الإشراف والتنسيق في متقنًا إدارة المحتوى وإظهاره بصورة قريبة من ذائقة المشاهدين.
كما كانت له مشاركات مميزة في البرنامج التلفزيوني «إنسان» عام 2009، من خلال إحدى فقراته الإنسانية التي لامست قصص البشر وهمومهم، وأضاف بصوته تعليقًا على الإعلانات والفقرات التلفزيونية ما بين عامي 2003 و2008، فصار أحد الأصوات التي يعتادها الجمهور دون أن يراها، لكنّها تترك أثرها بوضوح.
ولأنه صوت يتحرّك نحو التميز دائمًا، نال فضل معارك جائزة عربية عام 2006 عن تعليقه الصوتي في برنامج «أعرف بلادك»، لتكون محطة تقديرٍ تؤكد أن ما يقدمه ليس مجرد كلمات تُقال، بل أداءٌ يُصنع بإخلاص ويصل إلى القلوب.
لم تكن رحلة فضل معارك في الميدان الإعلامي محض تجربة عملية فحسب؛ بل كانت مسارًا متواصلًا من التعلم وصقل المهارات، بدأ مع بداياته في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، حيث نهل قواعد اللغة العربية وفنون الإلقاء، ليصقل صوته وأدواته في مهد الإعلام الأردني.
ومع تقدّم خطواته، فتح لنفسه نوافذ على العالم، فكانت دورة العمل الإذاعي في إذاعة "مونت كارلو" نافذة دولية أضافت إلى خبرته بعدًا احترافيًا أوسع، وتوالت بعدها الدورات التي تناولت حرية الصحافة والديمقراطية وحقوق الإنسان، انطلاقًا من قناعته بأن الإعلام رسالةٌ تُدافع عن الكرامة، لا مجرد مهنة تُقدّم الخبر.
كان حاضرًا في المنابر الفكرية، من خلال مشاركته في دورات متخصصة محلية وعربية حول قضايا اللاجئين، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتمكين المرأة، والتعامل الإعلامي مع قضايا الأسرة والمجتمع،ومكافحة العنف ضد النساء في الإعلام، والمجال الاقتصادي والشبابي والبيئي، مقدّمًا أوراق عمل عن دور الإعلام في التوعية والبث المباشر والتأثير الاعلامي،و علاقة الإعلام بقضايا الإعاقة والتكنولوجيا، مؤمنًا بأن الإعلام الحقيقي يُعيد الاعتبار للإنسان في كل ظروفه وقدراته.
وبمرور الوقت، أصبح اسم فضل معارك عنوانًا لصوتٍ واعٍ، يطوّر أدواته باستمرار، ويجعل من كل دورة وورشة محطة جديدة تدفعه نحو إعلامٍ أكثر تأثيرًا، وإنسانيةً، ورسالةً.
ومنابر الثقافة والفن تشهد أنّ فضل معارك لم يكن يومًا مجرد اسمٍ في سجلات اللجان، بل صوتًا حاضرًا ووجهاً فاعلاً في كل حدثٍ يخص الحركة الثقافية والإعلامية في الأردن والعالم العربي. كان يُستدعى حيث يكون الضوء، وحيث تكون الكلمة مسؤولة عن وجه الوطن.
وعلى امتداد السنوات، بقي اسم فضل معارك حاضرًا في المؤتمرات العربية للشباب والإعلام، وفي الفعاليات الترويجية الكبرى مثل مهرجان جرش للثقافة والفنون، ومعرض عمّان الدولي للكتاب، حيث تولّى مسؤولياتٍ قيادية في الإعلام والترويج، مؤكدًا قدرته على جمع دهشة الثقافة بزخم الإعلام الحديث.
ولأن الكلمة مسؤولية، شارك في لجان التحكيم لاختيار رسائل الحملات الوطنية والمبادرات الصحية، كما عمل ضمن لجان استشارية لإذاعات وجامعات أردنية عريقة، مسهمًا بخبرته المهنية في الأروقة الأكاديمية ومؤسسات الإعلام الرسمية.كما كان حاضرًا في احتفالات إربد عاصمة للثقافة العربية وفي مؤتمرات ومعارض الكتاب والمكتبات.
امتد عطاؤه كذلك إلى لجان عربية وإقليمية معنية بتعزيز الصورة الأردنية في العالم عبر الفعاليات الدولية، وفي المؤتمرات التي رصدت دور الإعلام في خدمة الوطن وتعزيز حضوره الثقافي والإنساني.
وهكذا… ظلَّ فضل معارك يوقّع حضوره على أجندة الأحداث الاعلامية والثقافية الكبرى، بثباتٍ ومسيرةٍ تليق بإعلامي آمن بقداسة الكلمة، وكرامة الحقيقة، وجمال الوطن حين يُروى بصوتٍ أمين.
نال تقديرًا متكررًا من مهرجان الأغنية العربية للطفل في دوراته المتعاقبة، إدراكًا لدوره في الارتقاء بالرسالة المقدمة للاطفال، ثم امتد التكريم إلى مهرجان المسرح الأردني، حيث كان صوته حاضرًا في صناعة الوعي الجمالي لدى الجمهور. ومع اتساع دائرة العطاء، توالت شهادات التقدير من مؤسسات وطنية إلى جانب مؤسسات عربية ودولية رأت في جهوده إضافة تستحق الثناء.
لم تكن تلك الشهادات مجرد أوراق تزيّن جدارًا، بل هي تاريخ حيّ يوثق رحلة إعلامي وهب صوته لخدمة الإنسان، ورسالته لبناء الوعي، وبقي على الدوام قريبًا من نبض الوطن وهموم الناس، مؤمنًا بأن الكلمة الهادفة تصنع الفرق… ولو بعد حين.
يختصر فضل معارك أكثر من ربع قرن من العمل الإعلامي في عبارة واحدة يرددها دومًا:
"الإعلام مسؤولية قبل أن يكون مهنة، ومن يملك الميكروفون لا بد أن يملك الضمير.”
بهذا الوعي، وبهذا الإخلاص، واصل مسيرته ليصبح إحدى العلامات المضيئة في تاريخ الإذاعة الأردنية، وواحد من الأصوات التي لا تُنسى في ذاكرة المستمع الأردني والعربي.
تجربة فضل معارك هي نموذج لإعلامي جمع بين الميدان والإدارة، وبين الصوت والقرار، وبين الرسالة الإعلامية والخدمة العامة، محافظًا على حضوره المتزن في فضاء إذاعي سريع التحول، ومثبتًا أن الإذاعة ما تزال قادرة على صناعة التأثير حين يقودها أصحاب الخبرة والالتزام.