تتصاعد الأزمة الإنسانية في السودان وسط انهيار النظام الصحي، حيث تتكرر المشاهد المؤلمة داخل غرف الولادة، ويزداد القلق من ارتفاع وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة بشكل غير مسبوق.
وأظهرت إحصاءات وزارة الصحة في ولاية القضارف شرق السودان، تسجيل 109 حالات وفاة للأمهات حتى نوفمبر من بين 43,480 ولادة حية، إلى جانب وفاة 256 طفلا حديث الولادة من أصل 44,400 مولود، ما يعكس حجم الكارثة الصحية وانتشار المخاطر في جميع أنحاء البلاد.
وتشير تقديرات منظمات الصحة إلى أن أكثر من مليون امرأة حامل في السودان محرومات من الرعاية الصحية الأساسية، فيما تعاني 176 ألف امرأة من سوء التغذية الحاد، ويواجه 850 ألف مرضع ظروفا غذائية خطيرة. منذ اندلاع الحرب، تجاوز عدد الأطفال ضحايا سوء التغذية 45 ألف طفل.
وفي مراكز النزوح وملاجئ الإيواء، تزداد الأزمة حدة مع نقص الماء والغذاء وانعدام الحماية، حيث تتعرض المراهقات بين 11 و16 عاما للتحرش والاستغلال القسري، ويجبرن على القيام بأعمال خطرة مثل جمع الحطب والمياه في بيئة تفتقر إلى الأمن.
في ظل استمرار المعارك الضارية، عاد مشهد التضارب الميداني ليسيطر على الواجهة في السودان، خاصة في محور "بابنوسة" الاستراتيجي، بينما تلوح في الأفق مبادرة أمريكية جديدة تحمل بنودا سياسية وعسكرية "جذرية".
معركة الروايات في "بابنوسة"
قال الجيش السوداني، صباح يوم الثلاثاء، إن قواته "أحبطت هجوما جديدا" شنته قوات الدعم السريع على مدينة بابنوسة، مؤكدا التصدي له "بقوة وحسم".
واتهم الجيش خصمه بشن هجمات يومية على المدينة عبر "القصف المدفعي والمسيرات الاستراتيجية". واعتبر أن "الهدنة التي أعلنها حميدتي" قائد الدعم السريع ليست سوى "مناورة سياسية وإعلامية مضللة"، مشددا على أنه "لن يسمح باستغلال الوضع الإنساني كغطاء لتحركات عسكرية".
في المقابل، أعلنت قوات "الدعم السريع" رواية مغايرة تماما، مؤكدة أنها "سيطرت بشكل كامل على مدينة بابنوسة". وبررت هجومها بأنه جاء "ردا على هجوم للجيش السوداني"، وصفته بأنه "خرق جديد وواضح لاتفاق الهدنة الإنسانية".
خارطة طريق أمريكية "ثلاثية المسارات"
على الصعيد الدبلوماسي، كشفت مصادر لقناتي "العربية" و "الحدث" عن تفاصيل "مقترح أمريكي" لحل الأزمة، قدمه "مسعد بولس"، مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى أفريقيا.
وتتضمن الخطة خارطة طريق عبر ثلاثة مسارات متوازية:
المسار العسكري والإنساني: ينص على "وقف إطلاق النار"، وفتح الممرات لـ "تدفق المساعدات والإغاثة"، ويقترح تشكيل "لجنة دولية للإشراف" على وقف القتال، مع "آليات مراقبة على الأرض" لضمان حماية المدنيين ومعالجة الخروقات.
المسار السياسي: يقضي بإطلاق عملية سياسية "تقودها القوى المدنية"، مع "استثناء عناصر النظام القديم والإسلاميين".
مسار الإصلاح العسكري: وهو البند الأكثر حساسية، إذ ينص على "إخراج الإخوان من الجيش السوداني والأجهزة الأمنية"، كما يدعو إلى "إعادة هيكلة شاملة" تتضمن دمج المجموعات المسلحة وتفكيك الميليشيات، وصولا إلى "جيش موحد ومهني خاضع للسلطة المدنية".
وأكد المقترح أن عملية الهيكلة هي "قضية وطنية تهم كل السودانيين"، ولا ينفرد بالقرار فيها طرفا القتال وحدهما.