انطلقت يوم امس الاثنين 15 دجنبر الجاري، في العاصمة الإماراتية أبوظبي أشغال المؤتمر العالمي الثالث لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، المنعقد تحت عنوان: «الأسرة في سياق فقه الواقع: هوية وطنية ومجتمع متماسك»، وذلك برعاية الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، ورئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، والرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، وبحضور الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، إلى جانب عدد من المسؤولين والعلماء والخبراء من داخل الدولة وخارجها.
وشهدت الجلسة الافتتاحية حضور رؤساء هيئات ومؤسسات وطنية ودولية، وممثلين عن الجهات المعنية بالشأن الأسري والديني، إضافة إلى مشاركة إعلامية واسعة. واستُهلت الفعاليات بعزف السلام الوطني، وتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وعرض شريط مرئي قدّم رؤية المؤتمر وأبعاده القيمية والمجتمعية.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، أن المؤتمر يعكس التزام دولة الإمارات بتعزيز مكانة الأسرة باعتبارها أساس التماسك المجتمعي وبناء الإنسان، مشيرًا إلى أن تنمية الأسرة تمثل خيارًا وطنيًا استراتيجيًا لمواجهة التحولات المتسارعة. كما أبرز الدور المحوري الذي تضطلع به الشيخة فاطمة بنت مبارك في دعم قضايا الأسرة والطفولة وتمكين المرأة.
وأوضح أن انعقاد المؤتمر ينسجم مع إعلان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بأن يكون عام 2026 عامًا للأسرة، تأكيدًا على مركزية الأسرة في المشروع الوطني، ودورها في إعداد أجيال قادرة على العطاء، والتعلم، والمشاركة الإيجابية في مسيرة التنمية.
وسلط المتحدث الضوء على أهمية تناول قضايا الأسرة في إطار فقه الواقع، بما يحقق التوازن بين النصوص الشرعية ومقاصدها من جهة، ومتغيرات العصر الاجتماعية والتكنولوجية من جهة أخرى، مثمنًا جهود مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، برئاسة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، في ترسيخ منهج اجتهادي منضبط يراعي الواقع ويبتعد عن الجمود والتطرف، ويعزز الاستقرار المجتمعي.
وطرح عددًا من القضايا المحورية للنقاش، من بينها دور فقه الواقع في تمكين الأسرة من الإسهام في التنمية الوطنية، وتعزيز الوسطية والانتماء، وترسيخ الثقة داخل الأسرة، إضافة إلى كيفية تعاملها مع التحولات الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي بما يحفظ تماسكها ويعزز التواصل بين الأجيال.
من جانبه، أكد عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، أن التحولات الاجتماعية وتسارع المتغيرات التشريعية والتكنولوجية أفرزت واقعًا أسريًا جديدًا يستدعي اجتهادًا مؤسسيًا واعيًا، قائمًا على المواءمة بين النص الشرعي ومقاصده والواقع المتغير. واعتبر أن الأسرة تشكل النواة الأساسية للسلم المجتمعي، وحاضنة القيم، وأن الفتوى المؤسسية تضطلع بدور مركزي في التحصين الحضاري وتعزيز الاستقرار الأسري، ومواكبة التحولات الرقمية بروح مقاصدية متوازنة.
وفي كلمة أخرى، عبّر أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، عن تقديره لدولة الإمارات ولمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي على تنظيم هذا المؤتمر، مشيدًا بمستواه العلمي والتنظيمي. وأكد أن الأسرة تمثل الخلية الأساسية للمجتمع والحاضنة الأولى للقيم الدينية والأخلاقية، موضحًا أن فقه الواقع يقتضي استيعاب أثر التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية في بنية الأسرة بما يحفظ توازنها واستقرارها، مستعرضًا ملامح التجربة المغربية في الاجتهاد الأسري.
كما شدد عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة، ونائب رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، على أن الأسرة تمثل ركيزة محورية في المشروع الوطني الإماراتي، مؤكدًا أن الاجتهاد في قضايا الأسرة عمل مؤسسي تشاركي يتطلب قراءة دقيقة للواقع، ولا سيما في ظل تأثير التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في أنماط الحياة والعلاقات الأسرية.
ويناقش المؤتمر، على مدى يومين، قضايا الأسرة في سياق فقه الواقع من خلال برنامج علمي يتناول محاور الاستقرار الأسري، والهوية الوطنية، والتحولات الرقمية، وتأثير الذكاء الاصطناعي، مع عرض نماذج وتجارب وطنية ودولية في تمكين الأسرة ودعم أدوارها المجتمعية، في سياق ينسجم مع «عام المجتمع 2025» واستشراف «عام الأسرة 2026»، بما يعزز نموذجًا حضاريًا يجمع بين الوعي بالواقع والانفتاح المسؤول على متطلبات المستقبل.