في زقاق صغير ببغداد، ينغمس الطبيب العراقي رائق طارق في علاج مرضاه بالطب الصيني التقليدي. بين الوخز بالإبر، والحجامة، والكي، يمارس رائق هذه العلاجات بمهارة فائقة. تتزيّن عيادته الصغيرة بلوحات توضّح نقاط الوخز، فيما تصطف على رفوفها الخشبية المرتّبة بعناية إبر الوخز وأدوات علاجية متنوعة.
يمارس رائق الطب الصيني التقليدي منذ أكثر من عشر سنوات. ففي تسعينيات القرن الماضي، وبسبب العقوبات ونقص المستلزمات الطبية في العراق، بدأ العديد من الأطباء العراقيين يتجهون إلى العلاجات البديلة القائمة على المعارف والتقنيات التي تعلموها في الصين. وهو بدوره بدأ استكشاف الطب الصيني التقليدي بعد تخرجه من كلية التمريض بجامعة بغداد. ولاحقا، تمكنت زوجة رائق من دراسة الطب الصيني التقليدي في الصين، وشجعته على خوض التجربة والدراسة هناك أيضا.
بعد عودته إلى وطنه، افتتح رائق عيادة للطب الصيني التقليدي في بغداد. وخلال العقد الماضي، اكتسبت عيادته شهرة متزايدة. ويقول رائق: "بالنسبة لي، الطب الصيني التقليدي أكثر من مجرد مهنة". ويوضح أن ثقافة الطب الصيني التقليدي عميقة ومشبعة بالفلسفة. فعلى سبيل المثال، ينظر هذا الطب إلى جسم الإنسان بوصفه وحدة عضوية متكاملة، ويعالج الأمراض من خلال منهج شامل وجدلي. ويضيف رائق بأن تجربة الدراسة بالصين أتاحت له فهم الطب الصيني التقليدي والتعلق به. "لقد كانت الدراسة في الصين فرصة غيرت حياتي. آمل أن أساهم في بناء جسر للتبادل الطبي والثقافي بين العراق والصين".
في السنوات الأخيرة، ازداد إقبال العراقيين على استخدام الوخز بالإبر، والكي، وغيرها من علاجات الطب الصيني التقليدي. فمن جهة، يشعر كثيرون بالقلق إزاء الآثار الجانبية للأدوية الكيميائة في علاج الأمراض المزمنة، بينما يوفر الطب الصيني التقليدي خيارا أكثر طبيعية وأقل خطورة. ومن جهة أخرى، بدأ العراق الترويج للطب الصيني التقليدي في وقت مبكر جدا. ففي ثمانينيات القرن الماضي، أنشأ العراق مراكز متخصصة في هذا المجال، وعلى مدى العقود، درّب أعدادا كبيرة من المتخصصين، ما جعله جزءا أساسيا من نظام الرعاية الصحية في العراق.
ويقول أحد المرضى الذين تلقوا العلاج في عيادة رائق، ويدعى أحمد، إنه كان يعاني آلاما يومية في الكتف والظهر، وقد زار العديد من الأطباء دون جدوى. لكن بعد عدة جلسات من العلاج بالإبر الصينية، لاحظ تحسنا ملحوظا في ذراعه. "لقد كنت بالكاد أستطيع رفع ذراعي في السابق، كما خفّ ألم كتفي وظهري بشكل كبير".
ولا يكتفي رائق بكونه طبيبا فحسب، بل يشارك أيضا بنشاط في فعاليات التبادل الثقافي العراقي-الصيني، إذ يلقي بانتظام محاضرات متنوعة للترويج للطب الصيني التقليدي والثقافة الصينية، ويدعو أطباء صينيين لتبادل الأفكار. ويقول: "لقد بنى الطب الصيني التقليدي جسرا للصداقة بين العراق والصين".