في شمال نيجيريا، حيث تتقاطع الفقر مع هشاشة الأمن وغياب الدولة، لم تعد أخبار الخطف والهجمات المسلحة مجرد عناوين عابرة، بل تحولت إلى جزء من الحياة اليومية لآلاف السكان، وبينما اعتاد العالم ربط العنف هناك بأسماء مألوفة مثل «بوكو حرام» أو «داعش في غرب إفريقيا»، يفرض الواقع في 2025 اسمًا جديدًا وأكثر تعقيدًا: جماعة «لاكوراوا».
ما وراء الأسماء المعروفة
لسنوات طويلة، انصبّ التركيز الدولي على التنظيمات الإرهابية التقليدية في ولاية بورنو والمناطق المحيطة ببحيرة تشاد، لكن هذا التركيز خلق، من دون قصد، فراغًا رقابيًا في مناطق أخرى من نيجيريا، خاصة في الشمال الغربي، وفي تلك المساحات البعيدة عن الأضواء، نشأت جماعات أقل شهرة، لكنها لا تقل خطرًا، أبرزها «لاكوراوا»، التي تمثل نموذجًا واضحًا لما يُعرف اليوم بـ«الإرهاب الهجين».
من هم «لاكوراوا»؟
اسم «لاكوراوا» مشتق من الكلمة الفرنسية recrues، أي «المجندون»، وهو توصيف يعكس طبيعة هذا التنظيم الذي تشكّل من مزيج غير تقليدي. فالجماعة تجمع بين الفكر الجهادي التكفيري من جهة، والنشاط الإجرامي المنظم من جهة أخرى، هي ليست مجرد تنظيم عقائدي، ولا عصابة إجرامية بحتة، بل كيان يمزج الاثنين في آن واحد.
نشأة على أطراف الدولة
بحسب دراسات أمنية حديثة، بدأ ظهور «لاكوراوا» بشكل فعلي عام 2018 في مناطق غابات بولاية سوكوتو شمال غرب نيجيريا، في تلك الفترة، كانت المنطقة تعاني من تفشي عصابات قطع الطرق والخطف، في ظل ضعف الوجود الأمني الرسمي. ومع تصاعد شكاوى السكان، برزت الجماعة كقوة محلية قادرة على "فرض النظام”، وهو ما منحها قبولًا اجتماعيًا أوليًا.
لكن هذا القبول كان نقطة التحول الأخطر. فمع الوقت، لم تكتفِ «لاكوراوا» بدور الحماية، بل بدأت في فرض رؤيتها المتشددة، وبناء هياكل حكم موازية، مستغلة الفراغ السياسي والأمني.
تنظيم عابر للحدود
لا يقتصر نشاط «لاكوراوا» على نيجيريا وحدها، بل يمتد إلى مناطق حدودية في النيجر وبنين. هذا الانتشار العابر للحدود منحها قدرة أكبر على المناورة، وصعّب من مهمة ملاحقتها أمنيًا، الجماعة استفادت من طرق الترحال التقليدية للرعاة، لتأسيس شبكات إمداد وتحرك مرنة، جعلتها أشبه بكيان غير مرئي للدول الثلاث.
شرعية تُبنى بالقوة
واحدة من أخطر سمات «لاكوراوا» هي قدرتها على اكتساب "شرعية الأمر الواقع”، فبعد نجاحها في طرد العصابات الإجرامية من بعض القرى، بدأ زعماء محليون يطلبون حمايتها طوعًا، ومع توسع نفوذها، فرضت الضرائب، وعيّنت الأئمة، وأصدرت أحكامًا متشددة شملت منع الموسيقى، ومعاقبة الشباب على قصات الشعر، وفرض نمط حياة قسري باسم الدين.
التمويل والتجنيد
تعتمد الجماعة على مصادر تمويل متنوعة، أبرزها الخطف مقابل الفدية، سرقة الماشية، الاستيلاء على المحاصيل الزراعية، وفرض ما تسميه "الزكاة” بالقوة، وفي ملف التجنيد، تستغل الفقر واليأس، مقدمة إغراءات مالية ودعمًا زراعيًا للمزارعين، ما يسهم في توسيع قاعدتها الشعبية، وتشير التقديرات إلى أن عدد مقاتليها يقارب ألفي عنصر، يتمتعون بقدرة عالية على التحرك السريع وتنفيذ الهجمات الخاطفة.
استقلال أيديولوجي… وعلاقات خطرة
رغم تقاطعها الفكري والعملياتي مع جماعات مثل «بوكو حرام» و«نصرة الإسلام والمسلمين»، لا تُعد «لاكوراوا» تابعة رسميًا لأي تنظيم معروف، لكنها تحتفظ بعلاقات تنسيق ومصاهرة مع تلك الجماعات، ما يجعلها جزءًا من شبكة إرهابية أوسع، دون أن تكون مقيدة بقيادة مركزية.
تهديد يتطلب مقاربة مختلفة
قصة «لاكوراوا» تكشف درسًا قاسيًا لدول غرب إفريقيا: ترك الأمن بيد الميليشيات المحلية، حتى بحسن نية، قد يفتح الباب أمام ولادة تنظيمات أكثر تطرفًا، ولمواجهة هذا التهديد الهجين، تبدو الحاجة ملحّة لتنسيق أمني حقيقي بين نيجيريا والنيجر وبنين، وتجاوز الخلافات السياسية التي تعرقل العمل المشترك.
في النهاية، صعود «لاكوراوا» ليس مجرد ظهور جماعة جديدة، بل إنذار بأن خريطة الإرهاب في إفريقيا تتغير، وأن الخطر القادم قد لا يحمل اسمًا معروفًا… لكنه سيكون أشد تعقيدًا.