نيروز الإخبارية : نيروز الاخباربة:
قال الأكاديمي والباحث في الشؤون السياسية الدكتور محمد سلمان المعايعة مساء يوم الخميس الموافق 1/11/2018 في مبني المكتبة الوطنية ضمن ندوة ثقافية لمناقشة أطروحة نظرية الأمن الفكري للباحث الدكتور حسن الدعجة وبرعاية كريمة من عطوفة الأستاذ الدكتور نضال الأحمد العياصرة مدير عام دائرة المكتبة الوطنيه إلى جانب نخبة من المتحدثين معالي الأستاذ سميح المعايطة وعطوفة الأستاذ الدكتور نجيب أبو كركي رئيس جامعة الحسين وحضور لافت من المهتمين بالشأن الثقافي والسياسي . قال بأنه لا بد من تحديد مفهوم النظريةمن حيث تعريفها كمصطلح فقد تعددت التعريفات لها حسب المدارس الفكرية التي عرفتها وطبقا لأيديولوجياتها ومذاههبا وحسب الواقع المعاش .فهي نسق من المفاهيم والمبادئ التي ترتبط فيما بينها ذات طابع افتراضي استنتاجي، ومجموعة من الفروض التي تم اختبار صحتها علميا . ومفهوم النظريةيتناول أيضا نسق من المقولات المترابطة منطقيا، وشبكة من التعميمات الاستدلالية، من خلالها يمكن اشتقاق تفسيرات، أو تنبؤات عن أنماط معينة من الأحداث المعروفة جيدا ، وتفسير الأحداث والظواهر المختلفة للواقع وهي الوسيلة لمعرفة الحقيقة ولها خيال واسع، وليست مطلقة وإنما نسبية خاصة في النواحي الإجتماعية والإنسانية.
والنظرية تحتاج إلى إطار نظري فكري عام يصف الممارسات الخاصه بالظاهرة من خلال الملاحظات ومن خلال مشاهدات الوقع الذي نعيشه، فيتوجب على الباحث أن يلاحظ ويدرس الواقع بعمق حتى يستطيع أن يكّون تصورات دقيقة لتكوين وبناء نظريته لأنها هي الوسيلة لمعرفة الحقيقة التي تسعى اليها النظرية بشكل عام.
وتحدث عن الأمن الفكري باعتباره يسعى إلى تحقيق الحماية التامة لفكر الأنسان من الانحراف أو الخروج عن المعايير الأخلاقية وعن الوسطية والاعتدال والاستقامة ، ويعني كذلك حماية المنظومة العقائدية والثقافية والأخلاقية والأمنية في مواجهة كل فكر أو معتقد منحرف أو متطرف وما يتبعه من سلوك غير سوي.
وتحدث عن أهمية النظرية كونها تساعد في تحديد الاتجاه الأساسي للعلم وعن الظاهرة مدار الدراسة، وتساعد كذلك عن الكشف عن عناصر النقص أو القصور في المعرفة الخاصه بالموضوع مدار البحث للنظرية. كما تساعد بالتنبو بما سيحدث بالمستقبل لما تحصل مشكلة معينه ..
كما تحدث الدكتور المعايعة عن النظريات المفسرة للانحراف السلوكي والفكري التي تناولها الباحث والإطار النظري لها والتي انطلقت منه في تشخيص ومعالجة الانحرافات الفكرية والسلوكية وذكر البعض منها ذات الاتجاه الذاتي التي تظم المدرسة النفسية والتي تُنسب الانحراف إلى الصراعات النفسية التي تدفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة، وكذلك الاتجاه الموضوعي الذي تناول تفسير ظاهرة التطرف الفكري من خلال العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والمؤثرة في تنمامي هذه الظاهرة ، وكذلك الاتجاه التكاملي الذي حدد تقريبا بأن سبب ميل الفرد نحو الانحراف الفكري يعود لغياب الضوابط الإجتماعية والدينية والثوابت الأخلاقية عند الفرد. كما توسع الباحث في قراءته بالاطلاع على النظريات في العلوم السياسية التي تناولت الأمن الفكري على المستوى الدولي والإقليمي وقد توصلت هذه النظريات في معالجتها للانحراف السلوكي والفكري من خلال نظرية الردع الاستراتيجي والتوازن والاحتواء والتي تؤكد جميعها على اختلاف بالأفكار والغزو الثقافي في إختراق الأمن الفكري وتهديده ، فكان القاسم المشترك فيها هو اختلاف القيم والأفكار والأيديولوجيات.
وأشار الدكتور المعايعة لبعض المتغيرات التي تؤدي إلى الانحراف الفكري من حيث عدم توفر العدالة في كثير من القضايا الدولية والإقليمية وازدواجية المعايير مما أوجد فجوة فكرية لدى الأفراد والجماعات ، كما أن هناك مواقف للدول الكبرى والمجتمع الدولي ذات المعايير المزدوجة في القضايا المشابهة التي تخص العرب والمسلمين فهناك موقف متناقضة، فلماذا هذه الازدواجية في المواقف ؟ الأمر الذي دفع إلى التمرد والتنمر على القوانين والتشريعات الدولية والإقليمية في محاولة لتغيير الواقع أو للتعبير عن رفضة .
وأكد الدكتور المعايعة بأن بناء نظرية الأمن الفكري كهذه النظرية التي نحن بصدد مناقشتها ليست من باب الترف الفكري وإنما تأتي نتيجة مطلب إستراتيجي للمحافظة على الأمن الوطني وبقائه واستمراره بعيدا عن تشويه الأفكار والقيم والمعتقدات ، فلا بد من وضع إستراتيجية وطنية شاملة لتحقيق الأمن الفكري .
وقد بين الدكتور المعايعة بأن الباحث بعد إطلاعه على النظريات والدراسات والبحوث التي تناولت الأمن الفكري وجد بأن هناك نقص في بعض الجوانب ألتي تحدثت عنها تلك النظريات من حيث العوامل النفسية والبيولوجية والإقتصادية والإجتماعية المؤثرة في بيان الانحراف الفكري والسلوكي..مما شكل لدى الباحث بعض التصورات الذهنية دفعتة للقول بأن هناك بعض المتغيرات الأخرى المسببة لظاهرة الانحراف الفكري والسلوك الإجرامي دون الاغفال لأهمية النظريات السابقة، قد تنبع من عوامل العصرنه والمقصود بها هنا مخاطر العولمة على الثقافة التي أدت إلى سرعة وتيرة الحياة وسرعة التواصل بين الأمم والأفراد ، وكذلك سهولة انسياب الأفكار سواء الصحيح منها أو المنحرف مما ساعد على سهولة الغزو الفكري والثقافي للأفراد والمجتمعات في شتى بقاع الأرض بالإضافة إلى التهميش والإقصاء في الشؤون السياسية لكثير من الجماعات مما جعلها تشعر بالاغتراب السياسي عن مجتمعاتها فتولدت لديها الكراهية والعنف والتحريض على ارتكاب الجرائم. ...لذلك طرح الباحث نظرية للأمن الفكري لتعالج النقص الحاصل في النظريات التي طُرحت لمعالجة الانجراف الفكري والسلوكي كونه لم يجد نظرية وافية من هذه النظريات تعالج الانحرافات الفكرية ولم يكن هناك إطارا نظريا شاملا يشرح ويبن أسباب التطرف الفكري المؤدي لكثير من الأعمال الارهابيه خاصة بعد تزايد ظاهرة التطرف والغلو في بداية القرن الحادي والعشرين فكانت الذروة في أحداث 11 سبتمبر 2001...وما تبعه من أحداث جسام.
وقال المعايعه بأنه عند الحديث عن بناء نظرية أو طرح فكرة بناء نظرية للأمن الفكري لابد من الإشارة إلى المعايير الواجب توفرها في النظرية حتى يكون لها قيمة إضافية على خارطة النظريات التي لاقت قبول وثبت صحتها على أرض الواقع ،أي ماهي المعايير المتحكمة في علّميِة النظرية فهناك ميزان للنظريات تقاس بها حسب نوع الحقل الذي تبحث فيه النظرية سواء كان في العلوم الاجتماعية أو العلوم التطبيقية ،لذلك فقد حرص الدكتور حسن الدعجة بإتباع الأساليب المنهجية في إعداد نظريته العلمية للوصول إلى الهدف منها ، من حيث الشكل الأساسي للنظرية والأسئلة وفرضيات النظرية وتحديد المفاهيم للنظرية لأن لكل حقل من حقول العلم له مفاهيمة الخاصه به ، وكذلك المنهج للنظرية والتنبؤ والتعميمات إلى مرحلة تكوين النظرية التي هي عبارة عن مجموعةمن الفرضيات التي ثبت صحتها على أرض الواقع علميا. لذلك جاءت البراعة من الدكتور الدعجة لطرح هذه النظرية للأمن الفكري كي تساهم في معالجة الأسباب المؤدية إلى للانحراف السلوكي والفكري ووضع مصدات فكرية لتحنب تنامي ظاهرتي التطرف والإرهاب وتكون جدار صدّ ضدّ الانحرافات الفكرية.
وفيما يتعلق بالتنبؤات التي توصلت إليها نظرية الباحث الدعجة ،أكد الدكتور المعايعة على المصداقية النسبية على هذه التنبؤات بأن الانحراف الفكري سوف يستمر بدرجات متفاوتة وذلك لوجود أسباب تدفعة لذلك، مثل انعدام تطبيق المعايير الدولية في قضايا العرب والمسلمين، واتساع الفجوة بين الحضارات ، واختلاف المصالح السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية الناتجة عن كثرة الأيديولوجيات السياسية والدينية، وكذلك إختلاف الظروف القومية والإقليمية الجديدة مما يشكل ردود فعل لا يمكن التنبؤ بها ولا بحجم نتائجها، وكذلك سوف تستمر بعض العمليات الإرهابية لأن الجماعات الإرهابية تجدد أساليبها دائما مستفيدة بذلك من التطور العلمي والتكنولوجي مثلها مثل الدول ، وبالتالي يمكن التنبؤ بأن الأمن الفكري سيواجه في السنوات القادمة تحديات كبيرة من قبل جماعات وأفراد وحتى الدول التي تسعى لإثارة الفتنة الطائفية داخل الدولة الواحدة.....
وفي الختام أشاد الدكتور المعايعة بالجهود المبذولة في إطروحة النظرية من حيث البراعة الفكرية وسعة الإطلاع والدقة المنهجية في صياغة هذه النظرية ، وعتبر طرح نظرية بهذا الحجم هو إبداع من قبل الباحث ، فالفكره الإبداعية هي أساس التطور والتميز والارتقاء والابتكار وهذا خيال واسع ظهر في المنهجية العلمية في إعداد الخطة الشاملة لهذه الأطروحة مما يدل على المستوى الثقافي العالي للباحث وسعة الإطلاع على الأدبيات السابقة التي تناولت موضوع الأمن الفكري وسبل الوقاية من الانحراف الفكري ومقارنتها بالواقع الحالي الذي يتصف بتزايد كبير في اتجاهات ظاهرة العنف والانحراف الفكري والسلوكي رغم التقدم في الوسائل الإعلامية والتوعوية والتوجيهية التى تدعو لضبط السلوكيات من خلال الضوابط الشرعية والاجتماعية والثقافية والدينية المؤثرة في تخفيف هذه الظاهرة. وقال كم نحن بحاجة لنتحدث عن نظرية للأمن الفكري لمكافحة التطرف والانحراف الفكري والتي هي بحاجة إلى منظومة ثقافية دينية وتعليمية تدخل كل بيت للحد من ظاهرة التطرف الفكري ، لوجود أجيال لا تحمل هدفا ولا رسالة ولا فكرا من أسهل اختراقها..ومجتمعات تعاني أزمة أخلاق وأزمة تربية وأزمة مبادئ وقيم ، وتعاني هشاشة في القيم والمبادئ لذلك لا بد من تحصين الشباب من التطرف وتعزيز القيم والأخلاق لديهم من خلال تأهيلهم بالفكر الإبداعي والثقافة العالية الموزونه .