مع الاسف اتت ذكرى معركة الكرامة في هذا العام مع ما يمر به الاردن من ظروف استثنائية بسبب تفشي فايروس كرونا.
يعز علينا ان تمر الذكرى الثانية والخمسون دون الاحتفال واحياء هذه الذكرى العزيزة على قلوبنا جميعا
ها هو اذار هل من جديد ليعيد على مسامعنا وضمائرنا سير النصر , ويذكرنا بامجاد وبطولات وانتصارات صاغها نشامى الجيش العربي بدمهم وبروحهم مثبتين للدنيا باسرها بان الارض الاردنية لا زالت ولادة ولا زالت تنجب من رحمها رجال يصنعون انتصارات تتلاقى وما قبلها في اليرموك ومؤتة وحطين .في مثل هذا اليوم الحادي والعشرين من اذار لعام 1968 شهدت ارض الكرامة معركة خالدة خلود الزمن لا زلنا نشتم عبر ذرى غورها اريج دماء شهدائها الابرار الذين رووا خضرة الارض برواء احمر لتظل ارض الكرامة , الارض الطيبة التي عصت على العدو , ورفضت الاستسلام , وابت الا ان تظل اردنية الهوية والتراب
اثنان وخمسون عاما مرت على عمر الكرامة ونصرها .ولا زالت ارض الكرامة وسكانها وجنودها وصناع نصرها يذكرون ذاك اليوم الذي بدأ بهجوم غاشم على الاردن وانتهى بدحر ذاك الهجوم. هجوم شنته القوات الاسرائيلية بقطاعاتها واسلحتها المختلفة موهمة العالم والراي العام بظلالية اهدافها المعلنة , الا انها حقيقة كانت تسعى الى احتلال اراض جديدة والوصول الى مرتفعات البلقاء وعمان , فقبيل معركة الكرامة وبعد خروج الامة العربية من نكسة حزيران عام 1967 بقيت الجبهة الاردنية تشهد الاعتداءات المتكررة على طول جبهاتها ورسمت المخططات لاحتلال مرتفعات البلقاء وعمان ولضرب الجيش العربي ولتقضي على الأمل فيه وتتمكن من النيل منه والاجهاز عليه وعلى الوطن, في تلك الاثناء بدأ الجيش الاردني يعيد ترتيب اوضاعه وجنوده الذين ما رضوا بنتائج حزيران ,كانوا يتطلعون للثأر الذي طالما دغدغ احلامهم.
مع فجر يوم الكرامة كانت القوات الاردنية على تاهب وانتظار لساعة الصفر التي كانت على دراية بها , بفضل الاستخبارات الاردنية التي نشطت قبل المعركة, وما ان تحركت القوات الاسرائيلية عبر النهر الخالد نهر الاردن نهر الموت لمن اراد ان يتجاوزه عنوة, حتى تواجهت على الضفة الاخرى منه باسود تعطشت للثار , مرخصين الروح , كان القتال قتال لا هوادة فيه , خمسة عشرة ساعة مرت والبواسل عند حسن ظن الوطن والقائد بهم اباة صامدون مرابطون , يعدون الوطن بنصر مبين , فساروا على بركة الله , لتمر الساعات ولتطلب اسرائيل لاول مرة في تاريخها العسكري وقفا لاطلاق النار, الامر الذي رفضه الحسين القائد –رحمه الله - طالما ان جنديا اسرائيليا واحدا خلف النهر , فكان النصر, وانسحبت القوات الاسرائيلية تجر ذيول الهزيمة تحت وابل نيران القوات الاردنية . ولتهدأ ارض الكرامة ليطل من هناك بطل يقبض على جرح ينزف يلوح ببيرق نصر, واخر هناك سدي امنا مطمئنا وقد روى بنجيع دمه الطاهر ارض الكرامة وودع الاهل والعشيرة والرفاق فصعدت روحه السموات العلا نائلا احدى الحسننين .
لجيش الكرامة ننحني نسلم على روح قائدها الحسين رحمه الله وعلى ابطالها وعلى جرحاها وشهدائها الذين ما حادوا عن شرف الجندية .في يوم الكرامة يوم الشهادة , فرحت الارض التي كلما سقط جندي من جنودنا البواسل فوقها ، أشاحت نجمة في السماء بوجهها خجلاً.وكلما هدرت قطرة من دماء على ارضها , إرتعدت السماء من هول الفاجعة, وارتفع صراخ من رحم الأرض حداداً.وكلما توسعت رقعات تلك المعركة تحديت النيران المسلطة عليك وزاد التزامك برسالة جيشك المصطفوي
في يوم الكرامة أثمر الدم أبطالاً كتبت أسماؤهم بحروف من نور في سجل الخلود
ففي حضرة هذا الدم الطاهر يخجل الحجر وتنحني الكلمات إجلالاً وترتفع الجباه الى أعلى الأعالي والقبضات على الصدور تقسم قسم الوفاء لتضحيات جيش الكرامة , هذا الجيش الذي يتواجه فيه ابناء صناع الكرامة واحفاد ابطالها اليوم مع
ظروف طارئة وتحد جديد مختلف (وباء كورونا) ليصيغوا اليوم بطولة تتمثل بالدفاع عن الوطن والمواطنيين , لتسرد من جديد قصة مجد عنوانها الحماية والدفاع عن الاردن ومواطنيه ولتتجسد بطولة جيش امتد عطاءه من الكرامة وخلود نصرها الى كورونا . واليوم يقف ابناء واحفاد الكرامة وعيونهم على الوطن وسلامة مواطنيه ليؤدوا الامانة ويصنعوا نصرا جديدا.باذن الله وبتكاتف الاردنيين جميعا .