كتبت قبل سنة بهذا الموضوع ولم يحرك أحد ساكناً، لا في الجامعات ولا مجلس التعليم العالي ولا وزارة التعليم العالي، واليوم أعود وأكرر ما كتبته سابقاً، مع بعض الإقتراحات، لعل وعسى أن يستجيب من يرسم سياسات التعليم العالي في بلدنا… !.
في خضم الدورات الاصلاحية للتعليم العالي في بلدنا وبالذات في مجال البحث العلمي والذي تشير كل التجارب العالمية لأهميته، وانه المحرك الاساسي للتقدم والازدهار والتطور، وان الدول المتقدمة تنفق بسخاء على البحث العلمي ولديها بنية تحتية لذلك، اما تجاربنا في البحث العلمي فلا تزال تحبو، ولم تتجاوز حد البحث عن الترقية في الغالب او نجاحات فردية هنا وهناك، وقد لا يكون ذلك ذنب الباحثين بقدر ما يكون ذنب واشكالية المنظومة في مؤسسات التعليم العالي، والتي عظمت دور الترقية المجردة بغض النظر عن قيمة البحث ونوعيته، وعلى ذلك لم نتطور بحثيا وبقيت عقبات كثيرة تقف امام الباحث واولويات البحث والتمويل والتفرغ وعدم وجود بيئة بحثية مناسبة وغير ذلك، وتختلف المعيقات من جامعة لاخرى ومن تخصص لآخر، وما ساكتب عنه اليوم هو إشكالية قضاء إجازة التفرغ العلمي او الأستاذ الزائر لأعضاء الهيئة التدريسية؛ عند استحقاقهم لسنة التفرغ العلمي بعد عدة سنوات من الخدمة، والأصل ان يكون التفرغ فعلا للبحث العلمي وضمن محددات رصينة تسهم في رفع سوية البحث العلمي وانعكاسه تطبيقيا وعمليا على الواقع، ومع تفضيل الجامعات ان تكون سنوات التفرغ العلمي في مؤسسات بحثية عالمية، إلا ان ذلك غير متاح دائما لأسباب كثيرة، لذلك يبحث عضو هيئة التدريس عن جامعات وطنية لقضاء سنة التفرغ العلمي فيها، وبسبب عدم وجود تنسيق بين الجامعات وعدم تفعيل التشاركية والتكامل فيما بينها، نجد ان ايجاد جامعة لقضاء مدة التفرغ العلمي للأستاذ الزائر في الجامعات الوطنية اصبحت معضلة كبيرة، تواجه الجميع لأسباب كثيرة، منها ان الامر لا يخلوا احيانا من الواسطة والعلاقات الشخصية، وأحيانا إحجام الجامعات عن استقبال اعضاء هيئة تدريس من جامعات اخرى لقضاء فترة التفرغ لأسباب مختلفة، منها مالية ومنها تخصصية، وكذلك حسابات العبء الإضافي لدى الأقسام الأكاديمية لقصر نظر البعض بأن قبول احدهم للتفرغ، سيعمل على تقليل عبئه التدريسي الاضافي، مع ان الأصل أن يفتح مجال التفرغ بين الجامعات وبأعداد مناسبة لاستقبال المستحقين والاستفادة من خبراتهم وتبادل التجارب والمشاريع والمعارف فيما بين الجامعات واعضاء الهيئات التدريسية، وحيث أن رؤساء الجامعات لم يستطيعوا تنظيم هذا الأمر لحينه، وذلك لعدم وجود تعاون أو تنسيق فعلي تكاملي بين جامعاتنا، فغالبية الرؤساء لا يفكروا إلا بحدود حرم جامعاتهم، ويثبط عزيمتهم إن أرادوا عمل أي تنسيق، عدم وجود تشريعات تدعمهم، وهنا أقترح أن يكون أحد عناصر التقييم لأي رئيس جامعة؛ مدى التعاون البحثي والتدريسي مع الجامعات الوطنية، وعدم الإنغلاق على الذات، لذا يصبح لزاماً على مجلس التعليم العالي راسم الأستراتيجيات والسياسات للتعليم العالي في بلدنا، وضع تعليمات أو تشريعات تلزم الجامعات على تفعيل تبادل أعضاء هيئات التدريس، إما بالتبادل أو من خلال إجازات التفرغ العلمي، بما ينظم ويفعل إجازات التفرغ العلمي للاستاذ الزائر بين الجامعات، بحيث يتم الإستفادة من الخبرات وتنوعها، بما ينعكس إيجاباً على العملية الأكاديمية من خلال تناقح الخبرات وتبادلها، وألإستفادة من الخبرات النوعية لأعضاء هيئات التدريس، وكذلك الإستفادة من ذلك، لتكوين فرق بحثية مشتركة بين الجامعات، تستغل الإمكانات البحثية والتسهيلات الموجودة والتي تدعم البحث العلمي وتقلل من الكلفة المادية نتيجة الإستغلال الأمثل للموارد البشرية والمادية، وكذلك تفعيل الأولويات البحثية الوطنية والعمل على إنجازها بشكل مشترك بين الجامعات، وكما أسلفت يجب أن تكون هذه التشريعات أو التعليمات ملزمة وضمن جدول زمني وطني، يضمن إستمرارية البحث العلمي وضبط نوعيته، بما يشجع كل المختصين للإنخراط به.
وهذا يؤسس إلى ان لا تبقى عملية الحصول على موافقة لقضاء إجازة التفرغ العلمي في جامعاتنا، قضية تحتاج للتوسط والاستجداء والمزاجية، بل تصبح عملية منظمة منتجة ينخرط فيها الجميع، والموضوع الآخر والأكثر أهمية هو تفعيل قضاء اجازات التفرغ العلمي في القطاع الخاص او مؤسسات القطاع العام، والإستفادة من الخبرات والبحوث الاكاديمية في حل مشاكل الصناعة أو المشاكل الإدارية وجميع الأولويات البحثية الوطنية .
نتمنى ان يبادر وزير التعليم العالي ومجلس التعليم العالي، لتشكيل لجنة بأقرب وقت، تضع معالم تعليمات أو تشريعات تؤطر ذلك، وتُفعِل موضوع التفرغ العلمي والاستاذ الزائر بين جامعاتنا بهدف التقدم والتطور في مجال البحث العلمي وتعزيز دوره، وترسيخ ثقافة البحث العلمي وتعظيم دوره ومردوده على الوطن، وأن لا يبقى مجلس التعليم العالي مسكوناً ومقيدا لإرث وممارسات غير مجدية، يجب أن يبحث المجلس عن إختراقات وإبداعات وتفكير خارج الصندوق بكل ما يخص قضايا التعليم العالي، نتمنى ونتمنى لعل وعسى… حمى الله الاردن.