أعتذر منك ياحازم فلم نرثيك حق الرثاء، لكن هل لحزن الرجال مواسم ، ألا يعرفون أن الوجع لا يلتئم حتى لو مرّت السنين عليه ، وهل يعلمون أنّ قلوب الأمهات والآباء ما زالت معلّقة بالباب لعلّ الغيّاب يعودون يوما ، وأن دمعهم يفيض كلمّا مرّوا بإسمكَ، فالدمع لا يرجع الموتى ولكنه يرطب الجوف الحزين بما فيه من الغصّات وهو وفاء ما بعده وفاء .
كنتّ تطير فوق الغيم ، تمرّ فوق بيادر المشقر ، تلّوح للفرسان فوق جبال ناعور ، تبتسم لصبيان الصباح ، تتحسّس التراب والبلاد والشجر وتعرف أنك ستعود للهبوط ، ولكنّكَ لم يخطر ببالك أنّ الفرس ربما تخذل الفارس يوما ، حاولتَ وحاولتَ ولكنه الموت وضريبة الشهادة وحب الوطن، فسابقتَ الريح مستسلما لقدر الله ، كنتَ تعرف أن هناك عهد بين العسكر والتراب حتى لو كانوا بين السحاب ، هويتَ كصقر مجروح ولكنكَ بقيتَ شامخا حتى لقيتَ وجه ربك شهيدا راضيا .
لم تودّع أهلكَ يا حازم ولربما باعد الواجب بينك وبينهم منذ أيام .. وهم الذين يودعونك كلمّا مررتَ بهم ، ودخلتَ عليهم وحمدوا الله على سلامتك .. تحفّك دعوات أمك وأبيك ، لكن متى كان العسكر يخافون الموت ، أو متى كان الموت بعيدا عنهم وهم بين البنادق والرصاص .
وأعرفُ أنّ بعض الخيل تخذل فرسانها .. وأعرفُ أنّ الشجاعة ما خبتْ منك ، وأنتَ تبذل جهدك وتأخذ بلجام طائرتك حتى لا تسقط ، ولكن هو قدر الله .. فما أخافك الموت ، و" نطحته ولم تهابه " كالفرسان في ساحة الوغى .. وقد جلتٓ بعينيك البلاد لتتكّحل بها آخر مرة وأنت تشهّد وتسلّم الروح ماشيا إلى الموت فارسا.
نترحم عليك ياحازم وندعو لك أن ترقد بأمان تحت ثرى الأردن الطهور الآمن حيها المشفع ميتها قر عين ولا تبتأس فقد أمسى الغر الميامين لك أهلا وجيرانا، استرح فقد جئت من رباط طويل وامكث هنا حيث وطنك الحق على أسوار بيت المقدس وسنبقى نحن على ماعهدناك عليه .
وليرحم الله روحك وليرزقك شفاعة نبينا وحوضه، وصحبته في جنات الخلد