"لا أريد أن أطلق التهديدات, أو أن أهيىء جواً للخلاف والمشاحنات, ولكننا ندرس جميع الخيارات", هذا الجزء من إجابة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين, على سؤال مجلة دير شبيغل الألمانية, عن موقف الأردن في حال إقدام "إسرائيل" على ضم أجزاء من الضفة الغربية, يعكس الكثير من الأبعاد الاستراتيجية في تفكير جلالته وقراراته, وأولها الهدوء وعدم الانفعال, وعدم الاستجابة للاستفزازات, تم الدراسة المتأنية لكل الاحتمالات, ومن ثم إتخاذ القرار المناسب, الذي يحفظ مصالحنا الوطنية.
الأدلة على هذا النمط من التفكير الذي يتمتع به جلالته كثيرة, منها قرار جلالته بإلغاء ملحقي الباقورة والغمر, فقد ظل جلالته صامتاً, لم تستفزه كل المزاودات السياسية في الداخل والخارج, ولم يستجب لكل الضغوطات حتى حانت لحظة القرار, فإذا هو يجسد كل طموحاتنا الوطنية.
قرار إلغاء ملحقي الباقورة والغمر, ليس هو القرار الوحيد, المعبر عن البُعد الاستراتيجي, في فكر جلالته الهادىء والمنظم, مثلما يعبر عن إنحياز جلالته للخيارات الوطنية والقومية, فموقف جلالته من القرار الأمريكي, بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس, وموقف جلالته من صفقة القرن, يؤكدان ما ذهبت إليه, من بُعد أستراتيجي هادىء في تفكير جلالته, حيث يدرس جلالته جميع الخيارات والاحتمالات قبل إتخاذ القرار الحاسم, الذي طالما فاجأ به جلالته المراقبين وأذهلهم, وجعل المزاودين يلهثون خلف المواقف المتقدمة لجلالته في القضايا الوطنية والقومية.
البُعد الاستراتيجي الهادىء في تفكير جلالته, هو الذي يقف وراء نجاة الأردن من تداعيات الخريف العربي’ ومن كل الضغوط التي مورست على جلالته, للإنزلاق إلى حروب المنطقة, وهي ضغوط صمد أمامها جلالته, فحافظ على وطننا واحة أمن واستقرار في منطقة ملتهبة, بل لقد تمكننا بفضل هدوء جلالته, من أن نجتاز مصاعب اقتصادية كبرى, جراء إغلاق معظم حدودنا البرية, ومع ذلك فإن مستلزمات الأردنيين لم تنقص, كما حدث في بلاد أخرى أغني منا مادياً, لكن ليس لديها كما لدينا حكمة قيادية تتجلى خاصة في الأزمات, كما حدث في أزمة كورونا العالمية’ التي قدمنا خلالها نموذجاً عالمياً يحتذى.
هذه المواقف المتقدمة لجلالته خاصة في القضايا المفصلية, تحتم علينا كأردنيين, أن نكون مستعدين لكل الاحتمالات وكل الخيارات بأن نلتف حول جلالته إلتفاف السوار حول المعصم, حتى لا يجد العدو ثغرة في صفنا, ينفذ منها إلى مقتل لنا هنا, ولإمتدادنا في فلسطين, التي لم يعد لها متنفساً إلا من رئتنا, ولم يعد يحمل قضيتها أحد مثل عبدالله الثاني بن الحسين, فهل يفعلها بعضنا ويكفي عن المزاودة والتشكيك.