لقد عاد العيد ، لكنّ حاله لهذا العام لم يأتِ بما مضى ، وإنما بغير المأمول من التجديد ، فعيد الفطر في الموروث الإجتماعي يتجاوز البُعد الروحيّ والغاية الدينية ، ليتسمّ ببعد ثقافي تكاد ممارساته تطال مرتبة القداسة الإجتماعية ، وبانوراما الذاكرة زاخرة بكمّ هائل من الإصرار المتواصل على استحضار المناسبة ، والصورة حافلة بحالة البحث الدؤوبة عن فُتات الفرح المتناثر على أرصفة الأزقة المزدحمة بالجموع ، والمساجد العامرة بالمصلين ، والأثير الصاخب بتكبيرات العيد ، فيغدو الفرح في العيد حالة حتميّة تختبئ في ثنايا اللقاءات ، وتصافح الأيدي ، وعناق الأحبّة ، وتبادل التهاني والأمنيات .
لكنّ المشهد الإجتماعي للعيد في حضرة الكورونا بات موسوماً بالتباعد ، فإجراءات الوقاية اقتضت اختزال مظاهر العيد في حدها الأدنى ، فلا زيارات عائلية ، ولا صلاة في المساجد ، هذا ما توّجب أن يكون ؛ لكنّ صباح العيد قد حلّ ، والحالة مليئة بإصرار مضاعف على الشعور بالفرح ، فقد عَلَت التكبيرات عبر المآذن ، وأُقيمت الصلاة في البيوت ، ومن خلف كاميرات الهواتف الذكيّة ، تعانقت الأرواح في الفضاء الافتراضي ، لتختصر البعد المكاني في المساحة الرقميّة ، فكان العيد في 2020 منكّهاً بطعم تطبيقات التواصل الإجتماعي التي كان حضورها ملهماً في ظلّ أزمة الكوفيد - 19 ، ليملأ التقارب الروحي والعاطفي فراغ التباعد الجسدي .
وأطلّ ثاني أيام العيد عابقاً بأريج الذكرى ، فالاستقلال نما عبر 74 عاماً كسنديانة باسقة ، غُرست لحظة أن وشّح جلالة المغفور له الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين وثيقة الاستقلال ب " متكّلاً على الله تعالى أوافق على هذا القرار ، شاكراً لشعبي واثقاً بحكومتي " ، لتمتد ضاربة جذورها في الأرض ، ومطلقة فروعها لتعانق السماء ، وكأنها تخاطب قلوب الأردنيين بأن أقبلوا ، فالفرح في الأردنّ باقٍ بقاء العَلَم ، والبندقية والمدفع ، باقٍ في تكبيرات العيد ، ودعاء الأمهات ، وعزائم الرجال ، فكلّ عام والوطن وقائد الوطن والأردنيون بخير .