منذ منتصف آذار الماضي والمجتمع الأردني كما في معظم دول العالم ، يشهد حالة نسبية من التوقف الكامل أو الجزئي لمختلف قطاعات العمل والخدمات ، وذلك ضمن ما فرضته إجراءات مواجهة جائحة الكورونا التي تدخلت على نحو مفاجئ في أدق تفاصيل إدارة الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات .
وبما أنّ حكاية الوباء لا زالت تمر بأطوار يكتنفها الغموض على المستوى العلمي والطبيّ ، فإنّ أغلب المجتمعات باتت مضطرة إلى اختيار حالة من التعايش مع العدوّ الخفيّ ، والعودة لممارسة الحدّ الممكن من الحياة الطبيعية ، ضمن إجراءات تعتمد في جوهرها على مبدأ التباعد الجسديّ الذي أصبح عنواناً للعلاقات الإنسانية .
وفي هذا اليوم يشهد الأردن عودة حذرة للحياة في معظم القطاعات الوظيفية والإنتاجية ، مع إعلان الحكومة قرارها بعودة الموظفين إلى مواقعهم ، ضمن خطة تتناسب والإجراءات المتبعة للحد من انتشار الفيروس ، وبما يضمن الحفاظ على ديمومة دوران عجلة الإنتاج الإقتصادية ، لا سيّما وأن أذرع الأزمة امتدت لتنال من مختلف القطاعات الإقتصادية في العالم أجمع ، ملوّحة باحتمال أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ الكساد العظيم 1929 . م .
لا شك أنّ الفريق الحكومي يعمل بشكل حثيث للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر ، إلاّ أنّ هذا الجهد لن يتخذ سبيله إلى النجاح عبر القيود القانونية والإجراءات التنظيمية فقط ، فالمسألة تتفرع تفاصيلها لتتشابك مع أوجه الحياة اليومية إلى حد يقترب من كون التباعد الجسديّ واتخاذ مسافة آمنة من الآخر، أصبحا نهجاً ملزماً لمختلف العلاقات ، ما يعني أنّ الرقابة ينبغي أن تكون ذاتية ، ونابعة من حس حقيقيّ بالمسؤولية الإجتماعية أولاً وقبل كل أشكال الرقابة المتوقعة ، وهو ما يعني أنّ الفرد مسؤول أمام ذاته عن الجماعة التي ينتمي إليها ، وهي مسألة أخلاقية ترتبط بمهمة تحديد الأفعال والسلوكيات ، ويترتب عليها نتائج إما أن تكون إيجابية أو سلبية داخل المحيط الإجتماعي ، وإنّ تحملّ الأفراد لمسؤولياتهم ونتائج أفعالهم سيؤدي إلى الشعور بالأمن النفسي والإجتماعي ، وإنّ يقظة الضمير الإجتماعي ركن أساسي في إدارة الحياة ، وإلاّ فإنّ الأنانية والإفراط في الفردية ستأتيان بعواقب غير محمودة على الأفراد والمجتمع .
إنّ الأزمة الإستثنائية التي تمر بها الإنسانية ، لا زالت تعمل على تنميط وتطبيع سلوكيات الأفراد اجتماعياً وفق مستويات ومعايير ستفرز واقعاً ثقافياً واجتماعياً محدداً ، قد يجد المجتمع نفسه ملتزماً به حتى ما بعد الكورونا ، وهو ما ينبغي أن تتخذ منه المؤسسات التربوية والإجتماعية والإعلامية فرصة لتنمية الشعور بالمسؤولية الإجتماعية ، واكساب الأفراد عمقاً اجتماعياً أكثر حيوية من خلال التعلم الإجتماعي ، ولعلها فرصة لوضع السلوك الجمعيّ على خط السكّة الصحيح من جديد ، بعد أن فقدت الإنسانية الكثير في عالم تسوده المادة والفردية والرقم .