في بلد لا يتجاوز عدد من يحملون هويته الثمانية ملايين، لم تتوقف الدعوات لتعزيز الوحدة الوطنية، منذ ان تم اعادة توحيده عام ١٩٥٠.
في هذا البلد يتجاور ويتصاهر ويتشارك ويتشاجر ويتصالح ويتابيع ويتزامل فيه أُناس لهم نفس السحنة والجينات واللون والاصول العشائرية. يتكلمون نفس اللغة، ينتمي أكثر من ٩٠٪ منهم للدين الاسلامي بمذهبه السني، والنسبة الباقية عرب مسيحيون متواجدون على ترابه منذ اكثر من الفي عام ايضا تربطهم روابط المذاهب والنسب والاصول. يتقاسم سكان هذا البلد عشوائيا مقاعد الدراسة في المدارس، ومقاعد الباصات واماكن السجود في المساجد، وطاولات الطعام والاراقيل في المطاعم والمقاهي، ويشربون من نفس مصادر المياه، ويرسلون مخلفاتهم الى نفس محطات التنقية، وكانوا قبل سايكس وبيكو شعبا واحدا لمئات السنين الى ان قرر سايكس وبيكو تقسيمه الى شعبين قبل مائة عام. ومع ذلك نبحث عن الوحدة الوطنية كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. واصبح سايكس وبيكو نبيان من انبياء هذه المنطقة يُرجمان كما يرجم ابليس من الحجاج يومين في السنة، ويُتعبد لهما بقية ايام السنة.
في هذا البلد الذي لا يمكن ان تجد فيه قبولا حقيقيا خالصا من النفاق، لجنوبي في قلب شمالي، ولا لشمالي في قلب جنوبي، ولا لسلطي في قلبيهما، ولا لشمالي او جنوبي في قلب سلطي. ولا لاردني من اصل فلسطيني في قلب اردني شرقي، والعكس صحيح، ولا لمسلم في قلب مسيحي ولا لمسيحي في قلب مسلم. في بلد يُقدمُ مؤهل "مكان الولادة" على كافة المؤهلات الاخرى عند التوظيف وعند الترقية وعند الاحالة على التقاعد. واحيانا كثيرة يقف مكان الولادة حجر عثرة امام الزواج.
شعب صغير يعيش هذا القدر من التناقضات والتأزمات والعوازل والتمزيق والتنافس الكريه المريض. في بلد يتفاخر من تولوا مراكز المسؤولية العليا فيه بإقليميتهم، ويخوضون الانتخابات النيابية معتمدين على سجلهم التاريخي في الاقليمية واغتصاب حقوق ابناء المحافظات الاخرى أو القبائل الاخرى.
ألا يخجل افراد هذا الشعب الذي هذه مواصفاته، من انفسهم، وهم ينتقدون ويتشفون بما حدث ويحدث في امريكا بعد المظاهرات الاخيرة ويتهمون الامريكان بأنهم عنصريين. في بلد يتنفس فيه الناس هواء العنصرية، ويرقصون ويحتفلون ويتزوجون ويتعشون في المطاعم على أغاني الاقليمية، ولا تحتوي مكتبات بيوتهم الا على كتاب شجرة القبيله. بدلا من مراجعة الذات وامراضه الاقليمية ويتحسب لاثارتها ومآلاتها المستقبلية ويرسم خارطة طريق للتطهر منها، يسكرون على خمر التعالي على الامريكان والاوروبيين وانتقادهم. ويتناسون حكمة من كان بيته من زجاج، فمن السفاهة ان يقذف بيوت الاخرين بالحجارة. فكيف من بيوتهم من خيوط العنكبوت.
لطالما اتخذ العرب من قصة بلال الحبشي عباءة تخفي عنصريتهم واقليميتهم. وكيف أن هذا العبد الحبشي قد اصبح مؤذنا . ولا يعرفون انه وظف بها لإن صوته جميل، الى جانب بعض التكريم. الدعاة للدين الاسلامي في امريكا وظفوا هذه الاسطورة لاقناع السود لترك دين العنصريين الامريكان والدخول في الاسلام. نجح الدعاة في تسويق الاسطورة بعض الوقت. الآن يرد عليهم السود، أنه في امريكا العنصرية وصل الكولنيل باول الى منصب رئيس اركان الجيوش الامريكية، ثم وزيرا للخارجية. وكذلك كوندريسا رايس . ووصل اوباما لاقوى وارفع منصب في العالم، رئيس امريكا. ناهيك عما يشغله السود الجادون المتميزون المتعلمين من مواقع عالية الجناب في وزارة الخارجية والمنظمات الدولية، ووزراء في حكومات الرؤساء المتعاقبين، وحكاما للولايات، وفي المجالس التشريعية والقضاء. بعد طول كذب، ينقلب السحر على الساحر.
هذا المقال هو دعوة لمراجعة النفس، وأن نتعلم من الدروس التي تدرس عن بعد، قبل ان نتعلمها مع الفلكة عن قرب.