بداية وبعد عام مفعم بالكورونا وتبعاتها، والتي فرضت التعليم عن بعد على الجميع، وكان نصيب طلبة التوجيهي أن يدرسوا عن بعد لأول مرة، أو عن قرب من خلال سوق التعليم الخصوصي لمن استطاع إليه سبيلا...! خرجت النتائج ونقول مبروك للناجحين وحظ اوفر لمن لم يجتازوا الامتحان، في المرة القادمة، وواضح أن هنالك إرتفاع فاحش بالمعدلات، والتحفظ عليه أنه لا يعكس مستوى الطلبة الحقيقي، والقول بموضوعية الاسئلة يعني أن نوع الأمتحان ومستوى صعوبته هو من ساهم بهذه النسبة، ولا أنكر مستوى وجهود نسبة من طلبتنا وتفوقهم، ولكن نتائج هذه السنة والتزاحم غير المسبوق على معدل 100% ومن هم اكثر من 99% أو حولها، خلط الأوراق ولم يعد هنالك ثمة وجه للمقارنة بين النتائج هذه السنة وسابقاتها، عبر تاريخ التوجيهي بقوته وتميزه، وتغيره وهيبته… . ومن الصعب طبعا لا بل من قلة المعرفة، أن نعزو هذا الإرتفاع لنجاح التعليم عن بعد بأي حال، التعليم عن بعد لم يكن غاية، بل كان حاجة، ذهب الجميع إليها مجبرين، بعد أن كنا نزدريه سابقاً… !، نعم بدأنا به على عجل وكنا كمن يتلمس الطريق، وتعلمنا بسرعه وصرنا نتفاخر بما نقدمه، وكلٌ يعرض إنجازاته، ولم تخرج علينا جهة رسمية محايدة بدراسة عن نجاح التجربة أو لا، ولا يعتد بالتصريحات، لأنه (ما حد بيقول عن زيته عكر).
المهم أمام عدد يقترب من 97 ألف ناجح وتنقصنا إحصائيات وزارة التربية عن أعداد الطلبة في كل فئات النجاح، ولكن العدد ليس سهلاً، إذا عرفنا أن جامعاتنا الحكومية ستفوز بنصيب الأسد للقبول بعدد قد يقترب أو يزيد عن 50 ألف طالب في 450 تخصص تطرحها هذه الجامعات، وقد تغض وزارة التعليم العالي وهيئةالإعتماد، النظر والطرف عن أعداد المقبولين في الجامعات الحكومية بما لا يتوافق مع الطاقة الإستيعابية لها، أما توزيع الطلبة على التخصصات فلن يضيره إرتفاع المعدلات، إذا عرفنا أن التخصصات تأخذ حاجتها حسب وضعها النسبي تصاعدياً، بالنسب المقررة لها من أعلى المعدلات، مثال تخصص الطب يأخذ نسبته المقررة لو كانت مثلا 3000 آلاف مقعد من أعلى المعدلات مع تزاحم كبير هذه السنة، والمشكلة أن الطلبة والأهالي لن يستوعبوا عدم حصولهم على مقعد طب مثلا لطالب معدله 99% أو يقل قليلاً، لأننا تعودنا على نمطيات سابقة، خرجت عنها نتائج هذه السنة، وأعتقد أن غالبية الطلبة لن يكونوا راضين عن التخصص الذي سيتيحه لهم القبول الموحد!.
على كل الأحوال الجامعات الحكومية ستفوز بنصيب الأسد من القبولات، دون أن تبذل جهد يذكر لتوجيه وإرشاد الطلبة، وربما كان من الأجدر تفعيل مقررات الإستراتيجية الوطنية في قبول الطلبة لسنة تحضيرية، ومن ثم قبولهم في التخصصات بناء على قدراتهم والتي يحددها ممعدل الثانوية العامة ومعدل السنة التحضيرية، إضافة لميول وإتجاهات الطلبة بعد توجيههم وإرشادهم بطريقة صحيحة، لنحصل على تخصص للطالب يلائم قدراته واتجاهاته ما امكن ذلك، ويجب أن يكون ذلك غاية وطنية، بدل نتائج القبول الموحد والتي تفرض على الطلبة تخصصات خارج قدراتهم وميولهم واتجاهاتهم، والنتائج فيما بعد سلبية، لأن الطالب يبدع ويتفوق في التخصص الذي يناسب قدراته وميوله واتجاهاته.
الجامعات الخاصة ستأخذ نصيبها هذه المرة، ودون الحاجة لمقابلة رئيس الوزراء… !، لأن الأعداد المتبقية بعد القبول الموحد من الناجحين وربما بمعدلات مرتفعة نسبيا كبيرة، وستذهب للجامعات الخاصة، وهي مؤسسات وطنية يجب أن تأخذ دورها، وبالمقابل عندما تطلب أن تتساوى مع الجامعات الحكومية بالقبول، على بعضها، أن تساوي رواتب وامتيازات ألعاملين لديها بالجامعات الحكومية، وأن تبتعد عن العقلية التجارية في التعليم، وهذا يخص البعض فقط كما أسلفت، فهي مؤسسات وطنية، وإستثمارات كبيرة نريدها أن تنجح وأن نصل لمساواتها تماما مع الجامعات الحكومية، في تطبيق المعايير وأسس القبول وغيرها.
ويبقى القبول في التعليم التقني، صحيح أن جامعة البلقاء ضاعفت أعداد المقبولين في السنوات الأخيرة، وصحيح أن ألأعداد زادت بشكل كبير، ولكن ما زالت الأرقام دون المقبول ودون رقم 40% من الناجحين المأمول حسب توجهات الأستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وهذا الرقم لا يعمل في فراغ فتحقيقه بحاجة لمجموعة من القرارات والجهود والأوضاع، تبدأ من تفهم الحكومة فعلياً لأهمية التعليم التقني وتخصيص دعم له في الموازنة، يساوي أو يزيد عن الدعم المقدم للجامعات، لأن التعليم التقني مكلف جدا، ولا يكفي إطلاق الشعارات لأهميته من الوزراء وأصحاب القرار، تشريعات تعطي خريج التعليم التقني إمتيازات تحفزه فعليا للذهاب للتعليم التقني، سياسات تشغيل وتوظيف للخريجين وكذلك حماية فعالة من العمالة الوافدة، قاعدة إنتاجية وخدمية صناعية تستوعب أعداد خريجي التعليم التقني، كليات تقنية جديدة بسوية عالمية، وبرامج وتخصصات مرنة، تلبي حاجة سوق العمل، وأمور أخرى كثيرة يجب توفرها لإستيعاب التحول نحو التعليم التقني بما يقارب النسب العالمية، تحفيز رأس المال الخاص للإستثمار في الكليات التقنية النوعية، ليكون شريكا للقطاع العام، بدل الذهاب للتخصصات الجامعية التي وصلنا فيها حد الإغراق، وتزويد سوق البطالة، بأفواج من العاطلين عن العمل كل عام.
الجميع في تحدي لتوفير قبولات لجميع الناجحين، وهذه ثقافتنا، وعلينا أن نهذبها لنصل إلى مرحلة، قريبة من العرض والطلب بين مزودي التعليم وسوق العمل،… .حمى الله الأردن.