نشر موقع "كونسومير" الإسباني تقريرا تحدث فيه عن فوائد الشطرنج بالنسبة للأطفال باعتباره تخصصا تعليميا في أجزاء مختلفة من العالم نظرا للفوائد المتعددة التي ينطوي عليها في سن المدرسة.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ممارسة لعبة الشطرنج لديها فوائد عديدة خاصة بالنسبة للأطفال وذلك من حيث زيادة القدرة على التركيز والتوليف والتحليل. في هذا السياق، قامت مدارس مختلفة بتضمين هذه اللعبة في فصولها الدراسية لسنوات. كما أدرجه البعض في جدول المدرسة، ليحل محل بعض الساعات المخصصة للمواد الأخرى مثل الرياضيات، وغيرها، كخيار للأنشطة التي يمكن ممارستها في فترة ما بعد المدرسة. في المقابل، يتفق الجميع على أن الشطرنج يساعد الأطفال على إيقاظ قدراتهم الفكرية وتطوير تفكيرهم المنطقي في وقت مبكر.
وأوردت المجلة أن هناك العديد من النظريات المختلفة التي تشرح بدايات الشطرنج، الذي ظهر في الهند في القرن السادس الميلادي تقريبا، ثم انتقل نحو بلاد فارس حيث قاموا بتوسيع نطاق اللعبة من الشرق إلى الغرب. لكنه لم يصل إلى إسبانيا حتى القرن الثامن وذلك على يد المسلمين. في البداية، كانت لعبة الشطرنج كهواية خاصة بالطبقات الراقية، إلى أن وصلت لاحقا إلى جميع الجماهير.
دراسات حول فوائد الشطرنج
بينت المجلة أن روسيا وتركيا وأرمينيا والأرجنتين وكندا هي بعض البلدان التي أدرجت هذا التخصص كجزء من برنامجها المدرسي. من بين هذه الممارسات، هناك دراسات لا حصر لها توضح الفوائد المتعددة لإدراجها في الفصل الدراسي. على ضوء ذلك، يستخدم علماء النفس والمعلمون وغيرهم من المتخصصين التربويين الشطرنج كنموذج للبحث المعرفي منذ النصف الثاني من القرن العشرين.
وخارج روسيا، وهي دولة رائدة في إدخال لعبة الشطرنج في المدارس، وقع إجراء أحد الأبحاث الأولى بين أربعينات وستينات القرن الماضي من قبل عالم النفس الهولندي ومعلم الشطرنج أدريان دي جروت. وركزت تجاربه على مجال العمليات المعرفية التي تحدث في أدمغة لاعبي الشطرنج الكبار.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، أظهر الدكتور ألبرت فرانك في سنة 1973، بعد تدريس حوالي 92 طالبا تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة، أن لعبة الشطرنج زادت من الذكاء والإبداع والتخطيط السريع والاستدلال والرؤية المكانية وفهم الهندسة.
وأوضحت المجلة أنه في أوائل الثمانينيات، أطلق رئيس مؤسسة الشطرنج الأمريكية فانويل آدامز، برنامجا في هارلم (نيويورك) أظهر من خلاله أن ممارسة هذه اللعبة عززت المهارات الرياضية لدى المراهقين. وعلى وجه التحديد، أظهرت النتائج أن "الاختبارات تحسنت بنسبة 17.3 بالمئة للطلاب الذين شاركوا بانتظام في صفوف الشطرنج، مقارنة بحوالي 4.56 بالمئة فقط للأطفال الذين شاركوا في أنواع أخرى من الأنشطة".
وفي الولايات المتحدة أيضا، صرح وزير التعليم السابق تيريل بيل في كتاب نُشر سنة 1982 أن تعليم لعب الشطرنج كان إحدى أفضل الطرق وأكثرها متعة لتنمية ذكاء طفلك.
على نفس المنوال، نجح بحث أكثر تعمقا، أجراه الدكتور ستيوارت مارغوليس، في التحقق من أن الطلاب الذين تعلموا لعب الشطرنج تمتعوا بزيادة كبيرة في قدرتهم على القراءة وشهدوا تحسنا في نتائج اختبارات المدارس الابتدائية. في المقابل، لم تفسر هذه الدراسة سبب وجود علاقة بين لعب الشطرنج وزيادة فهم القراءة، لكن فرضيتها استندت إلى حقيقة أن الشطرنج يعزز بعض القدرات المعرفية مثل الانتباه والقدرة على الفهم أثناء القراءة.
ومن جانبها، خلصت أعمال أخرى لمدرس الشطرنج الأستاذ بيتر دوفيرني إلى أن هذه اللعبة يمكن أن ترفع درجات معدل الذكاء وتعزز مهارات حل المشكلات وتحسن الذاكرة وتشجع على التفكير الإبداعي. وبعد هذه الأبحاث، في سنة 1995، أوصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بإدراجها في المستويين الابتدائي والثانوي في جميع البلدان الأعضاء.
تجربة الشطرنج بالنسبة للأطفال في إسبانيا
أشارت المجلة إلى أنه في إسبانيا، وقع تنظيم العديد من التجارب بطريقة منظمة من قبل البلديات، كما هو الحال بالنسبة لمنطقة أسطبونة بمالقة، التي أطلقت خطة ترويج للعبة الشطرنج في سنة 2011، حيث تلقى جميع الأطفال المولودين بعد سنة 2004 والمسجلين في مراكز المدن تدريبا حتى يتمكنوا من ممارستها.
وأوضحت المجلة أن هناك أيضا مبادرات خاصة بالمدارس. على سبيل المثال، في مدرسة ساغرادوس كوراثونيس في أليكانتي، يقع تعلم مفاهيم الشطرنج في السنوات الأولى من تعليم الطفولة المبكرة.
ويقول المعلمون في هذا السياق: "الشطرنج لعبة تساهم في تحويل هذه الطبيعة المرحة إلى نشاط جذاب". ويضيفون أنه: "أكثر من مجرد لعبة؛ إنه بمثابة تحد، أو منافسة ودية مع اللاعب الآخر، وعبارة عن صراع سلمي بين الاستراتيجيات والأفكار". ويرى هذا المركز أن الشطرنج يطور أيضا القدرة المعرفية ويسهل تعلم مواد مثل اللغة والرياضيات، وهذا بدوره له تأثير إيجابي للغاية على الأداء الأكاديمي. "وليس ذلك فحسب، بل يساهم أيضا في تحسين العلاقات الشخصية بين الطلاب وتعزيز الاحترام والتعايش".
وعلى المستوى الوطني، في سنة 2015، وافقت لجنة التعليم التابعة لمجلس النواب على اقتراح غير تشريعي حثت فيه الحكومة على الترويج للشطرنج كرياضة في المدرسة وفي الأماكن العامة الأخرى.
وفي الختام، أبرزت المجلة أنه في سنة 2012، وافق البرلمان الأوروبي على إدخال لعبة الشطرنج في الأنظمة التعليمية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، معتبرا أنها "لعبة متاحة للأطفال من أي فئة اجتماعية، ويمكنها تحسين التماسك الاجتماعي والمساهمة في أهداف سياسية، مثل الاندماج الاجتماعي، ومكافحة التمييز، وخفض معدلات الجريمة وحتى مكافحة أنواع الإدمان المختلفة".