أكاد الجزم بأن المجتمع الأردني في غالبه بطبعه العام مجتمعه يميل إلى المسالمة ونبذ العنف رغم طبيعة الثقافة التي ينشأ عليها الفرد منذ الصغر من حب امتلاك الاسلحة من الألعاب والسيوف وعدة الحرب واللباس الحربي والظهور بمظهر المحارب والشجاع ، ويكبر وتكبر معه هذه الرغبة في العنفوان والأنفة ، ويمكن تفسير المظاهر التي تم مشاهدتها في المجتمع بطريقة مختلفة عن الطريقة الأمنية والقانونية ، واللجوء إلى طرق اخرى تتعلق بالثقافة والتربية ، ومن وجهة نظري المتواضعة في هذا السياق فإنني أرى الأمر على النحو الآتي :
- الفرد الأردني يميل إلى الاستعراض الاجتماعي ، وانسب طريقة للإستعراض الاجتماعي استغلال المناسبات بإطلاق العيارات النارية واستعراض القوة للتعبير عن المخزون الثقافي والاجتماعي والنفسي داخل هذا الفرد ، ولا يوجد استعراض اقوى من اللعب بالسلاح باطلاق الرصاص في الفضاء .
- في تقديري المتواضع أن الفرد الأردني مكبوت بدرجة كبيرة بسبب الفقر والحاجة والأزمات الكثيرة التي يعانيها ، ويجد المناسبات فرصة للتنفيس عن هذا الكبت بالطريقة الأردنية التي يعبر عنها بالمثل الشعبي " إذا كثرت همومك غنيلها " .
- في المناسبات العامة فرصة للتعبير عن مكونات عبر المظاهر الاجتماعية كسبيله الوحيد للظهور الاجتماعي واثبات وجوده وبحثه عن الصدارة والواجهة الاجتماعية كمتنفس في ظل الضغوط الاجتماعية المتراكمة .
- المجتمع الأردني في مجمله مجتمع عشائري تتنافس العشائر فيما بينها باستعراض قدرتها على إثبات وجودها وقدرتها على الوصول إلى ما تريد ، وتعبر عن ذلك بعبارات : خاوة ، حريقة ، دق خشوم ، عد رجالك ، إذا انجن ربعك عقلك ما ينفعك ، وغيرها .
- ساهمت الدولة الأردنية منذ نشأتها في تعزيز المنطق القبلي والعشائري ، واستفادت كثيرا من العشائر الأردنية عبر تقريب بعض مشايخ القبائل ودعهم وجعلهم من ركائز هذه الدولة ورجالاتها ، وربما تكون الدولة الأردنية هي الدولة الوحيدة في العالم التي زال القضاء العشائري يمارس فيها جنباً إلى جنب مع القضاء المدني .
- عجز النظم التربوية والاجتماعية في الدولة الأردنية عن بناء الفرد بناء فكريا وحضارياً وتشكيل شخصيته بعيداً عن منطق المحاصصة القبلية والمناطقية والجهوية ، وما نراه هو نتيجة وثمرة من ثمرات عجز هذه النظم ، وغدم قدرتها على الموائمة بين متطلبات الدولة ومتطلبات العشيرة والمنطقة والجهة والشخص المتنفذ .
- السلوكيات المجتمعية من اطلاق العيارات والألعاب النارية هي نتاج ثقافة تراكمية اجتماعية عبر عقود من الزمن لم ينكرها المجتمع وسكتت عنها الحكومات حتى غدت ظاهرة اجتماعية أمنية مقلقة مزعجة ، ولا يمكن معالجتها دفعة واحدة بإجراءات أمنية فقط ؛ بل يجب أن تعالج تربوياً وثقافياً وإعلامياً وقانونياً بالدرجة الأولى ثم الضرب بحزم على الأفراد المروعين لأمن الناس والمزعجين والمخالفين والمقلقين لراحة المجتمع وتعريضه أمنه وسلامته للخطر .
- ولكي لا يظلم المجتمع الأردني نقول : إن ظاهرة استخدام السلاح ظاهرة عالمية نجدها في امريكا وفي الدول الأوربية والغربية وفي سائر بقاع العالم ، وتعالج في تلك الدول عبر الأنظمة والقوانين الرادعة وبناء ثقافات سليمة في تلك المجتمعات ، ونحن كجزء من العالم من الواجب علينا أن نستفيد من تجارب الآخرين ، وأن يكون كبار البلد وكراسيها القدوة الطيبة للآخرين في معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية ، والله المستعان .